للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَعْمَلُونَ﴾. وقال: ﴿لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾.

وقال البخاري (١١): يقال: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ﴾ الكفر، ﴿وَلِيَ دِينِ﴾ الإِسلام. ولم يقل "ديني" لأن الآيات بالنون، فحذف الياء، كما قال: ﴿فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ و ﴿يَشْفِينِ﴾. وقال غيره: لا أعبد ما تعبدون الآن، ولا أجيبكم فيما بقي من عمري، ولا أنتم عابدون ما أعبد، وهم الذين قال: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾. انتهى ما ذكره.

ونقل ابن جرير عن بعض أهل العربية أن ذلك من باب التكيد، كقوله ﴿[فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا] [١] (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، وكقوله: ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَينَ الْيَقِينِ﴾. وحكاه بعضهم -كابن الجوزي وغيره- عن ابن قتيبة، فاللَّه اعلم.

فهذه ثلاثة أقوال: أولها ما ذكرناه أولًا. الثاني: ما حكاه البخاري وغيره من المفسرين أن المراد: ﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ في الماضي ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ في المستقبل. الثالث: أن ذلك تأكيد محض.

وثمَّ قول رابع، نصره أبو العباس بن تيميّة في بعض كتبه، وهو أن المراد بقوله: ﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ نفي الفعل لأنها جملة فعلية، ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ﴾، نفي قبوله لذلك بالكلية؛ لأن النفي بالجملة الاسمية آكد فكأنه نفى الفعل وكونه قابلًا لذلك. ومعناه نفي الوقوع ونفي الإمكان الشرعي أيضًا. وهو قول حسن أيضًا، واللَّه أعلم.

وقد استدل الإِمام أبو عبد اللَّه الشافعي وغيره بهذه الآية الكريمة: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾، على أن الكفر كله ملة واحدة تورثه اليهود من النصارى، وبالعكس، إذا [٢] كان بينهما [نسب أو] [٣] سبب يتوارث به؛ لأن الأديان ما عدا الإِسلام كلها كالشيء الواحد في البطلان.

وذهب أحمد بن حنبل ومن وافقه إلى عدم توريث النصارى من اليهود وبالعكس، لحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول اللَّه : "لا يتوارث أهل ملتين شتى" (١٢).


(١١) فتح الباري (٨/ ٧٣٣) في كتاب: التفسير، باب: سورة: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾.
(١٢) أخرجه أحمد (٢/ ١٧٨ - ١٩٥). وأبو داود في كتاب: الفرائض، باب: هل يرث المسلم الكافر، حديث (٢٩١١) (٣/ ١٢٥ - ١٢٦). وابن ماجة في كتاب: الفرائض، باب: ميراث أهل الإسلام من أهل الشرك، حديث (٢٧٣١) (٢/ ٩١٢). وابن الجارود في المنتقي (٩٦٧). وحسنه الألباني في الإرواء (١٦٧٥).