للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رأيت النبي في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: "يا أيها الناس؛ قولوا: لا إله إلا الله. تفلحوا". والناس مجتمعون [١] عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غديرتين، يقول: إنه صابئ كاذب، يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه؟ فقالوا: هذا عمّه أبو لهب.

ثم رواه عن سريج [٢] (٤)، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، فذكره. قال أبو الزناد: قلت لربيعة: كنت يومئذ صغيرًا؟ قال: لا، والله إني يومئذ لأعقل أني أزفر [٣] القربة. تفرد به أحمد.

وقال محمد بن إسحاق (٥): حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس؛ قال: سمعت ربيعة بن عباد الديلي؛ يقول: إني لمع أبي رجل شاب، انظر إلى رسول الله يتبع القبائل -ووراءه رجل أحول وضيء، ذو جمة- يقف رسول الله على القبيلة فيقول: "يا بني فلان؛ إني رسول الله إليكم، آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئًا، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفِّذَ عن الله ما بعثني به". وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه: يا بني فلان؛ هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه. فقلت لأبي: من هذا؟ قال: عمه أبو لهب. رواه أحمد أيضًا والطبراني بهذا اللفظ.

فقوله تعالى: ﴿تبت يدا أبي لهب﴾، أي: خسرت وخابت، وضل عمله وسعيه، ﴿وتب﴾، أي: وقد تبَّ تحقق [٤] خسارته وهلاكه.

وقوله: ﴿ما أغنى عنه ماله وما كسب﴾ قال ابن عباس وغيره: ﴿وما كسب﴾ يعني: ولده. وروى عن عائشة ومجاهد وعطاء والحسن وابن سيرين، مثله.

وذكر عن ابن مسعود أن رسول الله لما دعا قومه إلى الإِيمان، قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقًّا، فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي وولدي. فأنزل الله: ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾.

وقوله: ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾، أي: ذات ثور ولهيب وإحراق شديد، ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالةَ الْحَطَبِ﴾، و [٥] كانت زوجته من سادات نساء قريش، وهي: أم جميل،


(٤) مسند أحمد (٤/ ٣٤١ - ٣٤٢) (١٩٠٥٩).
(٥) سيرة ابن هشام (٢/ ٢٨٧) بنحوه إلا أنه قال: سمعت ربيعة بن عباد يحدثه أبي قال: إني لغلام ....