للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكعبة، وهو واقف عليه، كلما فرغ من جدار نقله إلى الناحية التي تليها، و [١] هكذا، حتَّى تم جدارات الكعبة، كما سيأتي وإنه في قصة إبراهيم، وإسماعيل في بناء البيت، من رواية ابن عبَّاس عند البخاري. وكانت آثار قدميه ظاهرة منه، ولم يزل هذا معروفًا تعرفه العرب في جاهليتها، ولهذا قال أَبو طالب في قصيدته المعروفة اللامية:

وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة … على قدميه حافيًا غير ناعل

وقد أدرك المسلمون ذلك فيه أيضًا. كما قال عبد الله بن وَهْب: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب: أن أَنس بن مالك حدثهم، قال: رأيت المقام فيه أثر أصابعه وأخمص قدميه، غير أنَّه أذهبه مسح الناس بأيديهم.

وقال ابن جرير (٧٦٨): حدَّثنا بشر بن معاذ، حدَّثنا يزيد بن زريع، حدَّثنا سعيد، عن قَتَادة: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾، إنما أمروا أن يصلوا عنده و [٢] لم يؤمروا بمسحه. وقد تكلفت هذه الأمة شيئًا ما تكلفته الأمم قبلها، ولقد ذكر لنا من رأى أثر عقبه، وأصابعه فيه، فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتَّى اخلولق وانمحى.

(قلت): وقد كان هذا المقام ملصقًا بجدار الكعبة قديمًا، ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي الحجر يمنة الداخل من الباب في البقعة المستقلة هناك، وكان الخليل لما فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة، أو أنَّه انتهى عنده البناء فتركه هناك، ولهذا - والله أعلم - أمر بالصلاة هناك عند الفراغ من الطواف، وناسب أن يكون عند مقام إبراهيم حيث انتهى بناء الكعبة فيه، وإنَّما أخره عن جدار الكعبة أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب، أحد الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدين، الذين أمرنا باتباعهم، وهو أحد الرجلين اللذين قال فيهما رسول الله، : "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر" (٧٦٩) وهو الذي نزل القرآن بوفاقه في الصلاة عنده، ولهذا لم ينكر ذلك أحد من الصحابة أجمعين.

قال عبد الرزاق (٧٧٠) عن ابن جريج. حدثني عطاء وغيره من أصحابنا، قال: أول من نقله عمر بن الخطاب، .


(٧٦٨) - رواه ابن جرير برقم ٢٠٠٠ - (٣/ ٣٥).
(٧٦٩) - أخرجه الحميدي برقم (٤٤٩)، وأحمد (٥/ ٣٢٨)، والتِّرمِذي (٣٦٦٢)، وابن ماجة (٩٧). قال الترمذي: هنا حديث حسن، وكان سفيان بن عيينة يدلس هذا الحديث فربما ذكره عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، وربما لم يذكر فيه "عن زائدة".
(٧٧٠) - المصنف لعبد الرزاق برقم ٨٩٥٥ - (٥/ ٤٨).