للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن ابن عبَّاس: ﴿وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾، قال: إذا كان مصليًا فهو من الركع السجود، وكذا قال عطاء، وقَتَادة.

وقال ابن جرير، : فمعنى الآية: وأمرنا إبراهيم، وإسماعيل بتطهير بيتي للطائفين، والتطهير الذي أمرهما به في البيت هو: تطهيره من الأصنام، وعبادة الأوثان فيه، ومن الشرك، ثم أورد سؤالًا فقال: فإن قيل: فهل كان قبل بناء إبراهيم عند البيت شيء من ذلك الذي أمر بتطهيره منه؟ وأجاب بوجهين:

(أحدِهما) أنَّه أمرهما بتطهيره مما كان يعبد عنده زَمَانَ قوم نوح من الأصنام، والأوثان؛ ليكون ذلك سنة لمن بعدهما [١]، إذ كان الله تعالى قد جعل إبراهيم إمامًا يقتدى، به. كما قال عبد الرحمن بن زيد ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيتِيَ﴾ قال: من الأصنام التي يعبدون، التي كان المشركون يعظمونها.

(قلت): وهذا الجواب مُفَرَّعٌ على أنَّه كان يعبد عنده أصنام قبل إبراهيم، ، ويحتاج إثبات هذا إلى دليل عن المعصوم محمد [صلى الله عليه وعلى آله وسلم] [٢].

(والجواب الثاني): أنَّه أمرهما أن يخلصا في بنائه لله وحده لا شريك له، فيبنياه مطهرًا من الشرك والريب، كما قال جلَّ ثناؤه: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ﴾. قال: فذلك [٣] قوله: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيتِيَ﴾. أي: ابنيا بيتي على طهر من الشرك بي والريب، كما قال السدي: ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيتِيَ﴾ ابنيا بيتي للطائفين.

وملخص هذا الجواب: أن الله تعالى أمر إبراهيم، وإسماعيل أن يبنيا الكعبة على اسمه وحده لا شريك له، للطائفين به والعاكفين عنده، والمصلين إليه من الركع السجود. كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيئًا وَطَهِّرْ بَيتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ الآيات.

[وقد اختلف الفقهاء: أبهما أفضل الصلاة عند البيت أو الطواف به؟ فقال مالك : الطواف به لأهل الأمصار أفضل. وقال الجمهور: الصلاة أفضل مطقًا، وتوجيه كل منهما يذكر في كتاب الأحكام] [٤]، والمراد من ذلك الردُّ على المشركين الذين يشركون بالله عند بيته، المؤسس على عبادته وحده لا شريك له، ثم مع ذلك يصدون أهله المؤمنين عنه كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ


[١]- في خ: "بعدهما ليكون ذلك".
[٢]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ.
[٣]- في خ: "فكذلك".
[٤]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ.