للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شُرَيح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك [١] يا أبا شريح، وإن الحرم لا يعيذ عاصيًا، ولا فارًّا بدم، ولا فارًّا بِخَرَبَة [٢] (٧٩٧).

رواه البخاري (٧٩٨)، ومسلم، وهذا لفظه، فإذا علم هذا فلا منافاة بين هذه الأحاديث الدالة على أن الله حَرّم مكة يوم خلق السموات والأرض، وبين الأحاديث الدالة على أن إبراهيم حرمها؛ لأن إبراهيم بلغ عن الله حكمه فيها، وتحريمه إياها، وأنها لم تزل بلدًا حرامًا عند الله قبل بناء إبراهيم لها، كما أنه قد كان رسول الله، ، مكتوبًا عند الله خاتم النبيين؛ وإن آدم لمنجَدل في طينته، ومع هذا قال إبراهيم : ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ الآية. وقد أجاب الله دعاءه بما سبق في علمه وقدره. ولهذا جاء في الحديث أنهم قالوا: يا رسول الله؛ أخبرنا عن بَدْء أمرك. فقال: "دعوة أبي إبراهيم [] [٣]، وبشرى عيسى بن مريم، ورأت أمي كأنه خرج منها نور أضاءت [٤] له قصور الشام".

أي: أخبرنا عن بدء ظهور أمرك. كما سيأتي قريبًا، إن شاء الله.

وأما مسألة تفضيل مكة على المدينة كما هو قول الجمهور، أو المدينة على مكة كما هو مذهب مالك وأتباعه، فتذكر في موضع آخر بأدلتها إن شاء الله، وبه الثقة. وقوله تعالى إخبارًا عن الخليل أنه قال: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا﴾ أي: من الخوف، لا يَرْعَبُ أهله، وقد فعل الله ذلك شرعًا وقدرًا، كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ وقوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾. إلى غير ذلك من الآيات، وقد تقدمت الأحاديث في تحريم القتال فيها، وفي صحيح مسلم (٧٩٩) عن جابر سمعت رسول الله يقول: "لا يحل لأحد أن يحمل بمكة السلاح" وقال في هذه السورة: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾ [أي اجعل هذه البقعة بلدًا آمنًا] [٥]، وناسب


(٧٩٧) - الخربة أصلها: العيب، والمراد بها ها هنا الذي يفرّ بشيء، يريد أن ينفرد عليه، ويغلب عليه، مما لا تجيزه الشريعة، والخارب أيضًا: سارق الإبل خاصة، ثم نقل إلى غيرها، اتساعًا، وقد جاء في سياق الحديث في كتاب البخاري أن الخربة الجناية، والبليَّة.
(٧٩٨) - رواه البخاري في جزاء الصيد، باب: لا يعضد شجر الحرم وقم (١٨٣٢)، ومسلم في الحج برقم ٤٤٦ - (١٣٥٤).
(٧٩٩) - رواه مسلم في الحج من حديث أبي الزبير- مدلس، وقد عنعن- عن جابر برقم ٤٤٩ - (١٣٥٦).