للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا، لأنه قبل بناء الكعبة، وقال تعالى في سورة إبراهيم: ﴿وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾ وناسب هذا هناك؛ لأنه -والله أعلم- كأنه وقع دعاء مرة ثانية بعد بناء البيت واستقرار أهله به، وبعد مولد إسحاق الذي هو أصغر سنًّا من إسماعيل بثلاث عشرة سنة، ولهذا قال في آخر الدعاء: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾.

وقوله تعالى: ﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَال وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾.

قال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب: ﴿قَال وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ قال: هو من قول الله تعالى، وهذا قول مجاهد وعكرمة، وهو الذي صوّبه ابن جرير . قال: وقرأ آخرون ﴿قَال وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾. فجعلوا ذلك من تمام دعاء إبراهيم، كما رواه أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: كان ابن عباس يقول: ذلك قول إبراهيم، يسأل ربَّه أن من كفر فأمْتِعْه قليلًا.

وقال أبو جعفر، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا﴾ يقول: ومن كفر، فأرزقه قليلًا أيضًا ﴿ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾.

وقال محمد بن إسحاق: لما عزل إبراهيم الدعوة عمن أبي الله أن يجعل له الولاية - انقطاعًا إلى الله ومحبته، وفراقًا لمن خالف أمره، وإن كانوا من ذريته، حين عرف أنه كائن منهم [] [١] ظالم [لا يناله] [٢] عهده، بخبر الله له بذلك- قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ فإني أرزق البر والفاجر، وأمتعه قليلًا.

وقال حاتم بن إسماعيل، عن حُمَيد الخرَّاط، عن عَمَّار الدُّهني [٣]، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾، قال ابن عباس: كان إبراهيم يحجُرها على المؤمنين دون الناس، فأنزل الله ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ أيضًا أرزقهم كما أرزق المؤمنين، أأخلق خلقًا لا أرزقهم؟ أمتعهم قليلًا، ثم أضطرهم إلى عذاب النار وبئس المصير. ثم قرأ ابن عباس: ﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ رواه ابن مردويه. وروي عن عكرمة ومجاهد نحو ذلك أيضًا. وهذا كقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا


[١]- في خ: أنه.
[٢]- في خ: "ألا ينال".
[٣]- في خ: "الذهبي".