للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فضاق إبراهيم بذلك ذرعًا، فأرسل الله السكينة، وهي ريح خجوج (٨٠٩)، ولها رأسان فأتبع أحدهما صاحبه، حتى انتهت إلى مكة، فتطوّت (٨١٠) على موضع البيت كطي الحجفة، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة، فبنى إبراهيم، وبقي الحجر، فذهب الغلام [يبغى] [١] شيئًا. فقال إبراهيم: ابغني حجرًا كما آمرك. قال: فانطلق الغلام يلتمس له حجرًا، فأتاه به، فوجده قد ركب الحجر الأسود في مكانه. فقال: يا أبت! من آتاك بهذا الحجر؟ فقال: آتاني به من لا يتكل على بنائك، جاء به جبريل من السماء، فأتماه.

وقال ابن أبي حاتم (٨١١): حدَّثنا محمد بن عبد الله بن يزيد القري، حدثنا سفيان، عن بشر بن عاصم، عن سعيد بن المسيب، عن كعب الأحبار، قال: كان البيت غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله الأرض بأربعين عامًا، ومنه دحيت الأرض.

قال سعيد: وحدثنا علي بن أبي طالب: أن إبراهيم أقبل من أرض أرمينية، ومعه السكينة تدله على تبوُّء البيت كما تتبوّأ العنكبوت بيتًا، قال: فكشفت عن أحجار لا يطيق الحجرَ إلا ثلاثون رجلًا. قلت: يا أبا محمد، فإن الله يقول: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيتِ وَإِسْمَاعِيلُ﴾ قال: كان ذلك بعد.

وقال السُّدي: إن الله ﷿ أمر إبراهيم أن يبني البيت هو وإسماعيل: ابنيا بيتيَ للطائفين والعاكفين، والركع السجود، فانطلق إبراهيم [] حتى أتى مكة، فقام هو وإسماعيل وأخذا المعاول لا يدريان أين البيت، فبعث الله ريحًا، يقال لها: ريح الخجوج، لها جناحان ورأس في صورة حية، فكشفت لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأوّل، واتبعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس، فذلك حين يقول تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيتِ﴾] [٢]، ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيتِ﴾، فلما بنيا القواعد فبلغا مكان الركن. قال إبراهيم لإسماعيل: يا بني اطلب لي حجزا حسنًا أضعه هاهنا. قال: يا أبت، إني كسلانُ لَغِب. قال: علي بذلك، [فانطلق يطلب له حجرًا، فجاءه بحجر فلم يرضه، فقال: ائتنى بحجر أحسن من هذا] [٣] فانطق يطلب له حجرًا، فأتاه [٤] جبريل بالحجر الأسود من الهند، وكان أبيض ياقوتة بيضاء مثل الثَّغَامة


(٨٠٩) - يقال: ريح خجوج، أي شديدة المرور في غير استواء.
(٨١٠) - أي استدارت كالتُرس، وهو تفعلت من الطي.
(٨١١) - تفسير ابن أبي حاتم ١٢٤٥ - (١/ ٣٨١).