قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة (٨٢٥): ولما بلغ رسول الله، ﷺ، خمسًا وثلاثين سنة، اجتمعت قريش لبنيان الكعبة، وكانوا يَهُمُّون بذلك، ليسقَّفوها [١] ويهابون هدمها، وإنما كانت رَضْمًا فوق القامة، فأرادوا رفعها وتسقيفها، وذلك أن نفرًا سرقوا كنز الكعبة، وإنما كان يكون في بئر في جوف الكعبة، وكان الذي وجد عنده الكنز دويك، مولى بني مُلَيح بن عمرو من خزاعة، فقطعت قريش يده، ويزعم الناس: أن الذين سرقوه وضعوه عند دويك، وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جُدّة لرجل من تجار الروم، فتحطمت، فأخذوا خشبها فأعدّوه لتسقيفها، وكان بمكة رجل قبطي نجار، فهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها، وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كانت تطرح فيها ما يُهْدَى لها كل يوم فتتشرّق على جدار الكعبة، وكانت مما يهابون، وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احْزَألِّتْ وكَشَّتْ وفتحت فاها، فكانوا يهابونها. فبينا هي يومًا تَتَشرَّق على جدار الكعبة، كما كانت تصنع، بعث الله إليها طائرًا فاختطفها، فذهب بها، فقالت قريش: إنا لنرجو أن يكون الله قد رضي ما أردنا، عندنا عامل رفيق، وعندنا خشب، وقد كفانا الله الحيَّة.
فلما أجمعوا أمرهم في هدمها وبنيانها؛ قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عَبْد بنِ عمران بن مخزوم- فتناول من الكعبة حجرًا، فوثب من يده، حتى رجع إلى موضعه، فقال: يا معشر قريش، لا تُدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيبًا، لا يدخل فيها مهر بَغِي، ولا بيع ربًا، ولا مظلمة أحد من الناس.
قال ابن إسحاق: والناس ينحلون هذا الكلام للوليد [٢] بن المغيرة بن عبد الله بن عُمَر بن مخزوم.
قال: ثم إن قريش تحزّأت الكعبة، فكان شق الباب لبني عبد مناف وزُهرة، وكان ما بين الركن الأسود والركن اليماني لبني مخزوم وقبائل من قريش انضموا إليهم، وكان ظهر الكعبة لبني جُمَح وسَهْم. وكان شق الحِجْر لبني عبد الدار بن قُصَيّ، ولبني أسد بن عبد العزَّى بن قصي، ولبني عدي بن كعب بن لُؤَيّ، وهو الحَطم.
ثم إن الناس هابوا هدمها، وفَرِقوا منه، فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدؤكم في هدمها، فأخذ المعول، ثم قام عليها، وهو يقول اللهم لم تُرَعْ، اللهم إنا لا نريد إلا الخير، ثم هدم من ناحية