بنيه بعبادة الله وحده لا شريك له، فقال لهم: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾، وهذا من باب التغليب؛ لأن إسماعيل عمه.
[قال النحاس: والعرب تسمي العم أبًا، نقله القرطبي، وقد استدل بهذه الآية الكريمة من جعل الجد أبًا، وحجب به الإخوة، كما هو قول الصديق، حكاه البخاري عنه من طريق ابن عباس وابن الزبير، ثم قال البخاري: ولم يختلف عليه، وإليه ذهبت عائشة أم المؤمنين. وبه يقول الحسن البصري وطاووس، وعطاء؛ وهو مذهب أبي حنيفة، وغير واحد من السلف والخلف. وقال مالك، والشافعي، وأحمد في المشهور عنه: إنه يقاسم الإخوة. وحُكي ذلك عن عمر، وعثمان وعلي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وجماعة من السلف والخلف. واختاره صاحبا أبي حنيفة: القاضي أبو يوسف، ومحمد بن الحسن. ولتقريرها موضع آخر.
وقوله] [١] ﴿إِلَهًا وَاحِدًا﴾: أي: نوحده بالألوهية، ولا نشرك به شيئًا غيره، ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾: أي: مطيعون خاضعون؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [٢]﴾ والإِسلام: هو ملة الأنبياء قاطبة، وإن تنوعت شرائعهم، واختلفت مناهجهم، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي [٣] إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾. والآيات في هذا كثيرة، والأحاديث، فمنها قوله [ﷺ][٤]: "نحن معشر الأنبياء أولاد عَلَّات ديننا واحد .... "(٨٤٧).
وقوله تعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾، أي: مضت ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ﴾، أي: إن السلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم إليهم إذا [٥] لم تفعلوا خيرًا يعود نفعه عليكم؛ فإن لهم أعمالهم التي عملوها، ولكم أعمالكم ﴿وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
وقال أبو العالية والربيع وقتادة ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾: يعني: إبراهيم وإسماعيل،
(٨٤٧) - رواه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ … ﴾ برقم (٣٤٤٢، ٣٤٤٣) من حديث أبي هريرة ﵁. وأولاد العلات: هم الإخوة من الأب وأمهاتهم شتى.