للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَيَدَعُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، … الحديثَ (١).

قوله : «كَالذينَ يُفضِّلونَ حُكْمَ الطَّاغُوتِ على حُكْمِه، … »:

[تعريف الطاغوت]

الطَّاغوت: مشتق مِنْ الطغيان، وهو مجاوزة الحد (٢).

وعرَّفه الإمامُ ابنُ القيم : بأنه «كلُّ ما تجاوز به العبدُ حدَّه، مِنْ معبودٍ، أو متبوعٍ، أو مطاعٍ» (٣).

ومُرادُه مَنْ كان راضيًا بذلك (٤)، أو يقال: هو طاغوتٌ باعتبارِ عابدِه، وتابعِه، ومُطيعِه؛ لأنه تجاوزَ به حدَّه، حيث نزَّلَه فوق منزلتِه التي جعلَها اللهُ له، فتكون عبادتُه لهذا المعبودِ، واتباعُه لمتبوعِه، وطاعتُه لِمُطاعِه، طغيانًا؛ لمجاوزتِه الحدَّ بذلك، فالمتبوعُ مثلُ السَّحرةِ، وعلماء السوء، والمعبودُ مثلُ الأصنامِ، والمطاعُ مثلُ الأمراءِ الخارجين عن طاعة اللهِ ﷿. فإذا اتخذهم أربابًا، يُحِلُّ ما حرَّمَ اللهُ مِنْ أجلِ تحليلِهم له، ويُحرِّمُ ما أحلَّ اللهُ مِنْ أجلِ تحريمِهم له، فهؤلاء طواغيتٌ، والفاعلُ تابعٌ


(١) رواه البخاري في كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي يعطي المؤلفة قلوبهم … ، رقم (٣١٤٧)، ومسلم في كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام، رقم (١٠٥٩).
(٢) قال في لسان العرب (٨/ ١٦٠): «الطُّغيان والطُّغوان لغة فيه، وطَغَى يَطْغى طَغْيًا، ويَطْغُو طُغْيانًا، جاوَزَ القَدْرَ، وارتفع، وغَلا في الكُفْرِ» ا. هـ.
والطاغوتُ: ما عُبِدَ من دون الله ﷿، وكلُّ رأْسٍ في الضلالِ طاغوتٌ، وقيل: الطاغوتُ الأَصْنامُ، وقيل: الشيطانُ، وقيل: الكَهَنةُ، وقيل: مَرَدةُ أَهل الكتاب، [لسان العرب (٨/ ٢١٠ - ٢١١)].
(٣) إعلام الموقعين (٢/ ٩٢).
(٤) قولُ: «مَنْ كان راضيًا بذلك»: قيدٌ مهمٌ؛ لأنَّ هناك مَنْ عُبِدَ مِنْ دون الله تعالى وتقدَّس بغير رضائه، مع عدم محبتِه لذلك، بل ثبتَ تبرؤه من هذا الشرك، ومِن هؤلاء المتبوعين، ومن هؤلاء: عيسى ، فقد عبدَه طوائفُ من النَّصارى، وغالَوْا فيه، حتى صيَّروه إلها، أو ابنَ الإله، أو شريكًا للإله، وهو يتبرأ من ذلك كلِّه، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ [المائدة: ١١٦ - ١١٧].

<<  <   >  >>