للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سببُ نزول الاستهزاء

وجاء في تفسير ابن جرير (١) وابن أبي حاتم (٢) عن عبدِ الله بنِ عمر في سبب نزولِ هذه الآية أنَّ رجلًا في غزوة تبوك قال: «ما رأينا مثل قُرَّآئنا هؤلاء (٣)، أرغبَ بُطونًا، ولا أكذبَ ألسُنًا، ولا أجبنَ عند اللقاءِ»، فوصفوهم بالجبن والكذب وكثرة الأكل، فقال عوفُ بن مالكٍ : كذبتَ، ولكنك منافقٌ، لأخبرنَّ رسولَ الله ، فذهب عوفٌ إلى رسول الله ليخبرَه، فوجد القرآنَ قد سبقَه، فجاء الرَّجلُ إلى رسولِ الله ، وقد ارتحلَ، وركبَ ناقتَه، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنما نخوضُ ونلعبُ ونتحدثُ حديثَ الرَّكْبِ، نقطعُ به الطريقَ، فيقول له رسولُ الله : ﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة: ٦٥ - ٦٦]» (٤).

[الاستهزاء بالدين من صفات المنافقين]

والاستهزاء بالدِّين من صفات المنافقين كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (٣٢) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ﴾ [المطففين: ٢٩ - ٣٣]، فقولُه تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾ يعني: يغمزُ بعضُهم بعضًا بالاستهزاء، وقولُه تعالى: ﴿وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ﴾ يتفكهون بالاستهزاءِ بهم.

حكم الاستهزاء بالدِّين وأهلِه

قال الشيخُ سليمانُ بن عبدِ الله : «أجمعَ العلماءُ على كُفْرِ مَنْ استهزأ باللهِ، أو كتابِه، أو برسولِه، أو بدينِه، ولو هازلًا، لم يقصد حقيقةَ الاستهزاءِ، إجماعًا» (٥).


(١) تفسير الطبري (١١/ ٥٤٣ - ٥٤٥).
(٢) تفسير ابن أبي حاتم (٦/ ١٨٢٩).
(٣) يعنون: النبيَّ وأصحابَه.
(٤) قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية في (مجموع الفتاوى ٧/ ٢٧٣): «دلَّ على أنَّهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرًا، بل ظنوا أنَّ ذلك ليس بكفرٍ، فبيَّن أنَّ الاستهزاءَ باللهِ وآياتِه ورسولِه كُفرٌ، يَكفرُ به صاحبُه بعد إيمانه».
(٥) تيسير العزيز الحميد (٢/ ١٢٢٦).

<<  <   >  >>