للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ويدل لذلك قصةُ حاطب بن أبي بلتعة (١)، فإنه كتبَ إلى المشركين لما سمع بخروج النبي ، إليهم في فتح مكة، ومع ذلك لم يحكم عليه النبيُّ بالكفرِ عندما جاءَه الوحيُ بما فعلَ حاطبُ (٢).

ويدل لذلك أيضًا ما نُقل الإجماع عليه، فالعلماء كالطحاوي (٣) وغيرِه ينقلون الإجماعَ على أنَّ الجاسوس المسلمَ لا يَكْفر، وإنَّ كانت عقوبتُه القتلَ، يعني لو أنَّ مسلمًا تجسَّسَ على المسلمين لصالح الكفار، فالعلماءُ ينقلون الإجماعَ أنه لا يَكفُر، وبهذا تتبين لنا هذه المسألة.

وسُئِل الشيخُ عبدُ الله بنُ عبد اللطيف رحمه الله تعالى عن الفرق بين الموالاة


(١) روى البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب الجاسوس، برقم (٣٠٠٧)، ومسلم في فضائل الصحابة، باب مِنْ فضائل أهل بدر ، برقم (٢٤٩٤) حديثَ عليٍّ ، وفيه: بعثني رسولُ الله أنا، والزبير، والمقداد بن الأسود، قال: انطلقوا حتى تأتوا روضةَ خاخ، فإنَّ بها ظعينةً ومعها كتابٌ، فخذوه منها، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا، حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي من كتاب، فقلنا: لتُخرِجنَّ الكتابَ، أو لنُلقين الثيابَ، فأخرجته مِنْ عقاصها، فأتينا به رسولَ الله ، فإذا فيه: مِنْ حاطب بن أبي بلتعة إلى أناسٍ مِنْ المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمرِ رسول الله ، فقال رسول الله : «يا حاطبُ، ما هذا؟» قال: يا رسول الله، لا تعجل عليَّ، إني كنت أمرًا مُلصقًا في قريش، ولم أكن مِنْ أنفُسِها، وكان مَنْ معك مِنْ المهاجرين لهم قرابات بمكة؛ يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك مِنْ النسب فيهم أنْ أتخذَ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلتُ كفرًا، ولا ارتدادًا، ولا رضًا بالكفرِ بعد الإسلام.
فقال رسولُ الله : لقد صَدقَكُم، قال عمر: يا رسول الله، دعني أضْرِب عنقَ هذا المنافق. قال: إنَّه قد شهِدَ بدرًا، وما يدريك لعلَّ اللهَ أنْ يكونَ قد اطَّلعَ على أهلِ بدرٍ، فقال: اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرتُ لكم.
(٢) دلَّ اعتذارُ حاطب عما فعل بالغرض الدنيوي، ونفيُه عن نفسِه الرضى بالكفر والرِّدة عن نفسه، وقبولُ النبيِّ قولَه واعتذارَه، وعدمُ إقرارِه لعُمرَ على حُكمِه بالنفاق لحاطبٍ فضلا عن إجابتِه إلى قتلِه؛ دليلٌ على أنَّ مُظاهرةِ الكفار لمجرد غرضٍ دنيوي ليست لذاتها كُفرًا. [مناط الكفر بموالاة الكفار، (ص ١٠٠ - ١٠١)، مختصرا بتصرفٍ يسير]
(٣) قال الحافظُ ابن حجر : نقل الطحاوي الإجماع على أن الجاسوس المسلم لا يُباح دمُه، فتح الباري (١٢/ ٣٨٧).

<<  <   >  >>