* وقوله في السَّوِيقِ:"فأَمَرَ بهِ فَثُرِّيَ"[٧٢]، يعني: بُلَّ بالمَاءِ، لِيَكُونَ أَسْهَلَ لأَكْلِه وشُرْبِه، وفي هذا الحَدِيثِ مِنَ الفِقْه: مَضْمَضَةُ الفَمِ عندَ أَكْلِ الطَّعَامِ، وهو مِنْ بابِ النَّظَافةِ، وفيه تَرْكُ الوُضُوءِ مما مَسَّتِ النَّارُ.
* قالَ أبو المُطَرِّف: إنما أَدْخَلَ مَالِكٌ قَوْلَةَ أنسٍ: (لَيْتَنِي لمْ أَفْعَلْ)[٧٩]، رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ قالَ: إنَّ أَنَسَ مَاتَ على الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، وقِيلَ: إنما أَدْخَلَ مَالِكٌ هذه القِضَةَ مِنْ أَجْلِ إنْكَارِ أبي طَلْحَةَ وأُبَيٍّ على أَنسً وُضُوءَهُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ.
وفي هذا الحَدِيثِ دَلِيلٌ على أَنَّ أَعْمَالَ أَهْلِ المَدِينةِ حُجَّةٌ على مَنْ خَالَفَهُم مِنْ أَهْلِ الآفاقِ، ولِذَلِكَ قالَ أُبَيٌّ وأبو طَلْحَةَ لأنسٍ:(أَعِرَاقيَّةٌ؟)[٧٩]، يعني: جِئْتنا مِنَ العِرَاقِ بِما ليسَ عليه العَمَلُ بالمَدِينَةِ، فقالَ:(لَيْتَنِي لمْ أَفْعَلْ)، فأقرَّ أنَّ عَمَلَ أهلِ المَدِينةِ حُجَّةٌ على مَنْ خَالَفَهُم.
وفي هذه القِصَّةِ مِنَ الفِقْه: زيارةُ مَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، وإكْرَامُ الرَّجُلِ مَنْ زَارَهُ بِطَعَامِه، وإنْكَارُ الفُقَهاءِ ما لا يُعْرَفْ مَعْمُولا به في المَدِينةِ، واعْتِرَافُ الرَّجُلِ بِخَطَئِه.