للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَفْسِيرُ الوَلَاءِ

* قالَ ابنُ مُزَين: قالَ عِيسَى بنُ دِينَارٍ: مَعْنَى حَدِيثِ بَرِيرَةَ عِنْدِي واشْتِرَاءُ عَائِشَةَ زَوْجِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لها وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ، إنَّمَا كَانَتْ قَدْ عَجَزَتْ عَنْ أَدَاءِ كِتَابتها، فَلِذَلِكَ أَبَاحَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَها شِرَاءَها (١).

قالَ أَبو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ يُحتَجُّ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ في إجَازَةِ بَيع المُكَاتَبِ وإنْ لَمْ يَغجَزْ عَنِ الكِتَابَةِ، وذَلِكَ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنْ بَيع الوَلَاءِ، وعَنْ هِبَتِهِ، وعَقْدُ الكِتَابَةِ هُوَ عَقْدُ الوَلَاءِ، إلَّا أَنْ يَعجَزَ المُكَاتَبُ، فَلِسَيِّدِه حِينَئِذٍ بَيْعُهُ إنْ شَاءَ.

قالَ: ومَعْنَى قَوْلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَائِشَةَ حِينَ أَبَى مَوَالِي بَرِيرَةَ أَنْ يَبيعُوها مِنْها إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُم الوَلَاءُ، فقالَ لَها: "اشْتَرِيها واشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلاَءَ"، يَعْنِي: أَنَّ ذَلِكَ لا يَلْزَمُكِ، لأَنَّهُ قَد كَانَ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "الوَلَاءُ لِمَنْ أَعتَقَ".

قالَ أَبو المُطَرِّفِ: فهذا الحَدِيثُ يُبَيِّنُ أَنَّ كُلَّ شَرط لَيْسَ في كِتَابِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، ولَا في سُنَّةِ رَسُولهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اشْتَرَطَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أنَّه لا يُنتفَعُ بِشَرطِهِ، كَمَا لَمْ يَنتفِع مَوَالِي بَرِيرَةَ بِشَرطِهِم الذي اشْتَرَطُوُه على عَائِشَةَ، وذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهى عَنْ بَيع الوَلَاءِ، وعَنْ هِبَتِهِ.

قالَ ابنُ القَاسِمِ في مُكَاتَبٍ بَاعَهُ أَهْلُهُ مِنْ رَجُلٍ على أَنْ يُعتِقَهُ، ويَكُونُ الوَلَاءُ للبَاعَةِ، فقالَ: الوَلَاءُ لِمَنْ أَعتَقَ، والشَّرْطُ بَاطِلٌ (٢).


(١) ينظر تفسير الموطأ لابن مزين، رقم (١٩٧).
(٢) نقله ابن مزين في تفسيره، رقم (١٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>