للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بابُ القَضَاءِ في أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ،

وعِمَارَةِ المَوَاتِ، وحُكْمِ المِيَاهِ

* قَوْلُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: (مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَؤونَ وَلاَئِدَهُمْ) [٢٧٤٦]، وَذَكَر القِصَّةَ، إلى قَوْلهِ: (لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بهَا إلَّا أَلْحَقْتُ بهِ وَلدَهَا)، فِيهِ مِنَ الفِقْهِ: إنْكَارُ الأَئِمَةِ على سَادَاتِ الإمَاءِ وَطْئُهُنَّ، وإبَاحَةُ الخُرُوجِ لَهُنَّ خِيفَةَ أَنْ يَدْخُلَ الشَّكُّ في حَملِهِنَّ، وفِيهِ: أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِوَطْءِ أَمَتِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ، فَادَّعَا أَنَّهُ عَزَلَ مَاءَهُ عَنْهَا في وَقْتِ وَطْئِهِ إيَّاهَا، أنَّ الوَلَدَ لاَحِق بِهِ، لأَنَّ الوَلَدَ يَكُونُ مَعَ العَزْلِ، وقَدْ قَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ سُئِلَ عَنِ العَزْلِ: "مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ إلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ" (١)، فإنْ أَنْكَرَ السَّيِّدُ الوَطْءَ جُمْلَةً وَاحِدَةً، أَو أَقَرَّ بهِ وادَّعَى أنَّهُ اسْتَبْرَأَهَا اسْتِبْرَاءً صَحِيحًا، ثُمَّ لَمْ يَطَأْهَا حتَّى ظَهَرَ هَذا الحَمْلُ، ونَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ، لم يُلْحَقْ بهِ، ولَمْ يَلْزَمْهُ في ذَلِكَ يَمِينٌ.

قالَ أَبو المُطَرِّفِ: إذا جَنَتْ أُمُّ الوَلَدِ جِنَايَةً كَانَ على سَيِّدِهَا الأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا، أو مِنْ قِيمَةِ أَرْشِ الجِنَايةِ، يُخْرَجُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهَا عَنْهَا، وذَلِكَ أَنَّهُ لا يَجِدُ السَّبِيلُ إلى إسْلاَمِهَا في الجِنَايَةِ مِنْ أَجْلِ الحُرِّيَةِ التي فِيهَا، وذَلِكَ أَنَّهَا تَخْرُجُ حُرَّةً مِنْ رَأْسِ مَالِ سَيِّدِهَا بِمَوْتهِ، فإذا جَنَتْ مَا قِيمَتُهُ خَمْسُونَ دِينَارًا، أَو كَانتْ قِيمَتُهَا مِائَة، لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الجِنَايَةِ إلَّا قِيمَةُ جِنَايَتِهِ، ولَو كَانَتْ قِيمَتُهَا أَرْبَعِينَ لَمْ يُلْزَمُ السَّيِّدُ إلَّا إخْرَاجُ أَرْبَعِينَ، ولَا ظُلْمُ هَهُنَا على صَاحِبِ الجِنَايةِ، لأَنَّهَا قَدْ كَانَتْ تُسْلَمُ إليهِ في الجِنَايَةِ لَوْلاَ مَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، فإذا دَفَعَ إليه قِيمَتَهَا لَمْ يَظْلِمْهُ، وإنَّمَا تُقَوَّمُ أَمَةٌ بِغَيْرِ مَالِهَا.


(١) رواه البخاري (٢٤٠٤)، ومسلم (١٤٣٨)، من حديث أبي سعيد الخدري.

<<  <  ج: ص:  >  >>