للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في بَيع النَّخْلِ، والعَرَايا، والجَوَائِحِ

قَوْلُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبرَتْ فَثَمَرُها لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطها المُبْتَاعُ"، إنَّما قالَ ذِلَكَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّخِيلَ إذا أُبِّرَتْ فَقَدْ صَارَتِ الثَّمَرَةُ عَيْنَاً قَائِمَة، وقَدْ عَالَجَها البَائِعُ بإبَّارِهِ إيَّاها، فَهُو إذا بَاعَ الأُصُولَ في هذِه الحَالِ لَمْ تَدخُل الثَّمَرَةُ في مِلْكِ المُشْتَرِي، إلَّا باشْتِرَاطِهِ إيَّاها لِنَفْسِهِ، فإذا بَاعَ البَائِعُ الأُصُولَ قَبْلَ الإبَّارِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيها شَيءٌ، إذ لَمْ يَتَقدَّف له فِيها عِلاِجٌ ولَا قِيَامٌ، والإبَّارُ هُو التَّذْكِيرُ، وَهُو أنْ يُؤْخَذَ مِنْ طَلْعِ الذَّكَرِ مِنَ النَّخِيلِ فَيُوضعَ على طَلْعِ النَّخِيلِ التي تُثْمِرُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَباً لِبَقَاءِ الثَّمَرِ في النَّخْلِ المَأْبُورَةِ، ويُقَالُ لَهُ أَيضاً التَّلْقِيحُ.

قالَ ابنُ المَوَّازِ: اخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ في شِرَاءِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ الأُصُولِ في صَفْقَةٍ أُخْرَى وقَد أُبِّرَتِ الثَّمَرةِ، فقالَ: (لَا يَجُوزُ شِرَاؤُها قَرُبَ أو بَعُدَ، وكَذَلِكَ مَالُ العَبْدِ)، وقالَ أَيضاً: إنَّه جَائِزٌ.

وقالَ ابنُ القَاسِمِ: لَا يَجُوزُ لِمُشْتَرِي النَّخِيلِ وفِيها ثَمَرةٌ مَأبُورَةٌ أَنْ يَسْتَثْنِي نِصْفَها، لأن السُّنَّةَ جَاءَتْ في اسْتِثْنَاءِها كُلِّها أَو تركِها، ورُخِّصَ في ذَلِكَ.

قالَ ابنُ القَاسِمِ: وهذا عِنْدِي مِنْ بَيْعِ الثَّمَرةِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُو صَلاَحُها، فإذا اسْتُثْنِيتْ كُلّها كَانَتْ مُلْغَاةً في الصَّفْقَةِ، فَجَازَ ذَلِكَ.

قَوْلُ النبيِّ - عليهِ السَّلاَمُ -: "لا تُبَاعُ الثِّمَارُ حتَّى تُزْهِيَ"، إنَّما قالَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ زُهْوَها هُوَ ابْتِدَاءُ صَلاَحِها، وأَمَّا قَبْلَ زُهْوها فإنَّما يدخِلُ المُشْتَرِي على غَرَرٍ، لأَنَّه لا يَدرِي هلْ تَتِمُّ الثَّمَرةُ أَم لَا تَتِمُّ؟.

<<  <  ج: ص:  >  >>