للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بابُ العِينَةِ وشِبْهِها، وبَيع الطَّعَامِ إلى أَجَلٍ

إنمَا تَزجَمَ مَالِكٌ هذا البَابَ بِبَابِ العِينَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَهْلَ المَدِينَةِ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بالعِينَةِ في الطعَامِ، فكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُم يُشَارِطُ الرَّجُلَ على أَنْ يَشْتَرِي لَهُ طَعَاماً بِثَمَنٍ، ثُمَّ يَبِيعَهُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوفِيهِ بِثَمَنٍ إلى أَجَلٍ بأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ بهِ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ مِنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ، فَنَهى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، وقالَ: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَاماً فَلَا يَبِعهُ حتَى يَسْتَوْييهِ" فإذا ابْتَاعَ رَجُلٌ طَعَاماً واكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ فَقَن مَلَكَهُ وصَارَ في ذِمَّتِهِ، وأَمَّا قَبْلَ أَنْ يَكْتَالَهُ فَهُوَ في ذِمَّةِ البَائِعِ حتَى يَكِيلَهُ المُشْتَرِي، والدلِيلُ على أَنَّهُ في ذِمَّةِ البَائِعِ حتَى يَدفَعَهُ إلى المُشْتَرِي قَوْلُ اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى: {أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [يوسف: ٥٩]، فَالكَيْلُ على البَائِعِ، فَلَمَّا كَانَ الكَيْلُ عَلَيْهِ كَانَ في ذِمتِهِ حتَّى يدفَعَهُ إلى المُشْتَرِي، وأَمَّا مَنِ ابْتَاعَ طَعَاماً جُزَافاً فَلَهُ بَيْعُهُ بأَكْثَرَ مِمَّا ابْتَاعَهُ به، وإن لَمْ يَنْقُلْهُ مِنْ مَكَانِهِ الذي ابْتَاعَهُ فِيهِ، لأَنَّ بِعَقْدِ الصَّفْقَةِ ودَفْعِ الثَّمَنِ دَخَلَ في ذِمَّةِ المُشْتَرِي، والجُزَافُ هُوَ مَا يَسْتَوِي فِيهِ عِلْمُ البَائِعِ والمُشْتَرِي، فإذا عَلِمَ البَائِعُ كَيْلَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُجَازَفَةً وكَتَمَ المُشْتَرِي كَيْلَهُ كَانَ بالخِيَارِ، إنْ شَاءَ قَبَضَهُ، وإنْ شَاءَ رَدَّهُ على البَائِعِ بِمَا كَتَمَهُ إيَّاهُ، وهذا حُكْمُ العُيُوبِ المَكْتُومَةِ في السِّلَعِ المَبِيعَةِ.

* قالَ أَبو مُحَمَّدٍ في مَسْأَلةِ الصكُوكِ التي كَرِهها زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ إنَّمَا هي صُكُوك مَكْتُوبَة تَخْرُجُ مِنْ عِنْدِ السُّلْطَانِ لأَقْوَامٍ بأَعيَانِهِم، فِيها أَعدَادٌ مِنَ الطَّعَامِ لِكُل وَاحِدٍ على قَنرِ مَنْزِلَتِهِ، عَطَايَا لَهُم لَيْسَتْ أَجْراً، ولَا عِوَضَاً مِنْ شَيءٍ، فَيَبِيُعَونَ ذَلِكَ الطَّعَامَ المَكْتُوبَ في تِلْكَ الصُّكُوكِ مِنْ قَوْمٍ مِنَ التُّجّارِ، فَيَنْهضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>