باب التَّأمِينِ، والجُلُوسِ في الصَّلاةِ، والتَّشَهُّدِ فيها
قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أَمَّنَ الإمامُ فَأَمِّنُوا" يعني: إذا بَلَغَ مَوْضِعَ التَّأمِينِ بِقَرَاءَةِ {وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمينَ، ويُسَمَّى الإمامُ مُؤَمِّنًا لِسَببِ تَأْمِينِ مَنْ خَلْفَهُ مِنَ المُصَلِّينَ لاشْتِرَاكِهِم في الدُّعَاءِ والتَّأمِينِ، كَمَا يُسَمَّى المُؤَمِّنُ دَاعِيًا مِنْ جِهَةِ تَأْمِينُه على دُعَاءِ الدَّاعِي، قالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}[يونس: ٨٩] فَسَمَّى مُوسَى وهَارُونَ دَاعِيَيْنِ، فإنَّمَا كَانَ مُوسَى يَدْعُو وهَارُونُ يُؤَمِّنُ.
سَألتُ أبا مُحَمَّدٍ عَنْ قَوْلِ الزّهْرِيِّ في المُوطَّأ:"كَانَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: آمينَ"[٢٨٩] , فقالَ لِي: هَذا لَفْظٌ مُخْتَلَفٌ فيهِ، والعَمَلُ في هذا على حَدِيثِ سُمَيِّ، عَنْ أبي صالح، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وقالَ:"إذا قالَ الإمامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا آمينَ، فإنَهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه"[٢٩٠].
قالَ أبو جَعْفَرِ بنُ عَوْنِ اللهِ (١): معنى المَوَافَقةِ هَهُنا الإجَابةُ، إذا اسْتُجِيبَ للمُؤْمِنِ عندَ قَوْله (آمينَ) كَمَا يُسْتَجَابُ للمَلاَئِكَةِ غُفِرَ للمُؤِمِنِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه.
قالَ مَالِكٌ: إذا سَمِعَ المَأمُومُ قَوْلَ الإمَامِ {وَلَا الضَّالِّينَ} قالَ هُو آمينَ، وإذا لم يَسْمَعْهُ فَلْيَدَع ذَلِكَ، ولا يَتَحَرَّى قَدْرَ فَرَاغِه مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ القُرْآنِ لِكَي يَقُولَ آمينَ، وإنَّما يُؤَمِّنُ إذا سَمِعَ قِرَاءَةَ الإمَامِ.
(١) هو أحمد بن عون الله بن عبد الله بن دليم القرطبي، الإِمام الفقيه الزاهد، توفي سنة (٣٧٨)، ينظر: تاريخ علماء الأندلس ١/ ٥٤.