للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ بَعْضُ الفُقَهَاءِ: يَرْجِعُ إلى الجُلُوسِ، ثُمَّ يَقُومُ إلى تَمَامِ صَلَاتهِ.

قالَ أبو المُطَرِّفِ: لَيْسَ في حَدِيثِ مَالِكٍ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَلَّمَ مِنْ سَجْدَتِي السَّهْوِ اللَّتيْنِ سَجَدَ فيها بعدَ سَلَامهِ يومَ ذِي اليَدَيْنِ، وقد سُئِلَ ابنُ سِيرِينَ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ سَلَّمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعدَ السَّجْدَتَيْنِ؟ فقالَ: لم أحْفَظْهُ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، ولكنْ نُبِّئْتُ أنَّ عِمْرَانَ بنَ الحُصَيْنِ أنَّهُ قالَ: (سَجَدَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ ذِي اليَدَيْنِ سَجْدَتِي السَّهْوِ، ثُمَّ سَلَّمَ بعدَ ذَلِكَ) (١).

وأخذَ مَالِكٌ بِحَدِيثِ ذِي اليَدَيْنِ في سُجُودِ السَّهْوِ بعد السَّلامِ في الزِّيَادةِ، وبِحَدِيثِ ابنِ بُحَيْنَةَ (٢) في سَجْدَتِي السَّهْوِ قبلَ السَّلَامِ في النُقْصَانِ، وهُما حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ مَعْمُولٌ بها عند أَهْلِ المَدِينةِ.

وقالَ الشَّافِعِيُّ: السُّجُودُ في ذَلِكَ كُلِّه قبلَ السَّلامِ.

وقالَ أبو حَنِيفَةَ: يَسْجُدُ في ذَلِكَ كُلِّه بعدَ السَّلَامِ.

قالَ الأَبْهَرِيُّ (٣): سَجْدَتِي السَّهْو قبلَ السَّلَامِ في النُّقْصَانِ يُجْبَرُ بِهِما مَا نُقِصَ مِنْ سُنَنِ الصَّلاَةِ، وهُما في الزِّيادَةِ بعدَ السَّلامِ تَرْغِيمٌ للشَّيْطَانِ، يعنِي يُغِيظَهُ؛ لأنَّهُ أُمِرَ بالسُّجُودِ فَعَصَى فَلَهُ النَّارُ، وسَجَد ابنُ آدمَ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَلَهُ الجَنَّةَ.

* مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إذا شَكِّ أَحَدُكُم في صَلاَتِه فلمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاَثًا أَم أَرْبَعًا فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً، ولِيَسْجُد سَجْدَتيْنِ وَهُو جَالِسٌ قَبْلَ السَّلَامِ".

قالَ أحمدُ بنُ خَالِدٍ: انْتَهَى لَفْظُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحَدِيثِ إلى قَوْلهِ: "وَهُو جَالِسٌ"، ومَا زَادَ مِنْ قَوْلهِ: "قبلَ السَّلَامِ" إلى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ عَطَاءٌ في الحَدِيثِ


(١) رواه البخاري (٤٨٢)، وأبو داود (١٠٠٨).
(٢) حديث ابن بُحينة رواه مالك (٣٢٠)، ورواه البخاري (٧٩٥)، ومسلم (٥٧٠).
(٣) هو محمد بن عبد الله بن محمد، أبو بكر التميمي البغدادي، الإِمام العلامة الفقيه المتقين، صاحب التصانيف، توفي سنة (٣٧٥)، ينظر: جمهرة تراجم الفقهاء المالكية ٣/ ١١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>