للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* [قالَ أَبو المُطَرِّفِ]: قَوْلُ مَالِكٍ: (الأَمْرُ عِنْدَنا أَنَّ مَنْ مَنَعَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ فَلَمْ يَسْتَطعِ المُسْلِمُونَ أَخْذَهَا، [كَانَ] (١) حَقَّاً عَلَيْهِم جِهَادُهُ حتَّى يَأْخُذُوهَا مِنْهُ) [٩٢٥]، إنَّما هذَا إذا مَنَعُوهَا وبَانُوا بِدَارِهِم وفَارَقُوا جَمَاعَةَ المُسْلِمينَ، فَحِينَئِذٍ يُجَاهَدُوا على مَنْعِهِا ويُقَاتَلُوا على ذَلِكَ، وأَمَّا إذا لم يَبِينُوا بِدَارِهِم فإنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْهُم قَهْرَاً مَا أَقَرُّوا بها ولمْ يَجْحَدُوهَا.

* [قالَ أَبو المُطَرِّفِ]: في اسْتِقَاءِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ للذِي كَانَ شَرِبهُ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقةِ [٩٢٤]، مِنَ الفِقْه: إخْرَاجُ الرَّجُلِ عَنْ نَفْسِه المَالَ الحَرَامَ، وأنَّ الحَرَامَ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، ولاَ يُتَغَدَّى به، لأَنَّ كُلَّ لَحْمٍ انْبَتَهُ الحَرَامُ النَّارُ أَوْلَى به، وإنَّما اسْتَقَاهُ عُمَرُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الذي كَانَ سَقَاهُ إيَّاهُ كَان مِنَ الأغْنِيَاءِ الذينِ لا تَحِلُّ لَهُم الصَّدَقَةُ، ولَو كَانَ مِنَ الفُقَراءِ لم يَسْتَقِه عُمَرُ، لأنَّهُ كَانَ يَكُونُ بِمَنْزِلةِ هَدِيَّةِ الفَقِيرِ للغَنِيّ مِمَّا يُتَصدَّقُ به على الفَقِيرِ، وقَبُولُها مِنْهُم مُبَاحٌ غيرُ مَكْرُوهٍ, وقدْ قالَ - صلى الله عليه وسلم - في لَحْمِ بَرِيرَةَ: (هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ ولنَا هَدِيَّةٌ) (٢) وأكَلَ منهُ.

[قالَ أَبو المُطَرِّفِ]: إنَّمَا أَمَرَ عُمَرُ بنُ عبدِ العَزِيزِ بأَخْذِ الزَّكَاةِ مِنَ الرَّجُلِ الذي كَانَ مَنَعَها، مِنْ أَجْلِ نَدَامَتِهِ على مِنْعِه إيَّاها وتَوْبتِه مِنْ ذَلِكَ ورُجُوعهِ عَنْ مَذْهَبه في مَنْعِه إيَّاهَا، وقدْ كَانَ أَمْرُ عُمَرَ عَامِلَهُ على الصَّدَقَةِ أنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلَ زَكَاةً مَعَ المُسْلِينَ، فَلَمَّا تَابَ سَارَعَ إلى أَدَائِهَا أَمَرَ عُمَرُ عَامِلَهُ أَنْ يَأخُذَهَا منهُ مَعَ المُسْلِمينَ [٩٢٦].

وقَوْلُ مَالِكٍ في هذِه المَسْأَلةِ: أَنَّ مَنْ مَنَعَ زَكَاةَ مَالهِ بُخْلاً بِها، فإنها تُؤْخَذُ منهُ قَهْرَاً، إلَّا أَنْ يَمْنَعَها جَحْداً لهَا، فإنه يُسْتَتَابُ فإِنْ تَابَ وإلَّا قُتِلَ.

* * *


(١) في الأصل: (أن)، وما أثبته هو المتوافق مع الموطأ.
(٢) رواه البخاري (١٤٢٢)، ومسلم (١٠٧٥)، من حديث عائشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>