الكَذِبِ، وقَدْ تَجَاوَزَ اللهُ لِهَذِه الأُمَّةِ عَنِ الخَطَأ والنِّسْيَانِ، وهَذَا هُوَ مِنْ ذَلِكَ الخَطَأ الذي تَجَاوَزَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- العِبَادَ عَنْهُ.
حدَّثنا أَبو جَعْفَرٍ، قالَ: حدَّثنا ابنُ الأَعْرَابِيِّ، قالَ: حدَّثنا أَبو دَاوُدَ، قالَ: حدَّثنا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَن ابنِ عُمَرَ، أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ حَلَفَ على يَمِينٍ فقَالَ: إنْ شَاءَ اللهُ، فَقَدِ اسْتَثْنَى" (١).
* أَوْقَفَ مَالِكٌ هذَا الحَدِيثَ في المُوَطَّأ على ابنِ عُمَرَ، ولَمْ يَبْلُغْ بهِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -
* والإسْتِثْنَاءُ في اليَمِينِ لا يَكُونُ إلَّا مُتَّصِلًا باليَمِينِ في كَلَامٍ وَاحِدٍ، فإذا قَطَعَ الحَالِفُ كَلَامَهُ بينَ اليَمِينِ والإسْتِثْنَاءِ لَمْ يَنتفِعْ باسْتِثْنَائهِ، وَلَزِمَهُ الحِنْثُ فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ إنْ حَنَثَ، وليسَ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: (إنَّ للحَالِفِ أَنْ يَسْتَثْنِي في يَمِينِه ولَوْ بعدَ شَهْرٍ بشيءٍ)، ويَرُدُّ هذَا القَوْلَ قَوْلُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيُكَفَّرْ عَنْ يَمِينِه، ولْيَفْعَلِ الذي هُوَ خَيْرٌ" [١٧٣٨]، فَلَوْ كَانَ للحَالِفِ مُبَاحٌ أَنْ يَقُولَ: إنْ شَاءَ اللهُ وَلَوْ إلى شَهْرٍ، لَسَقَطَتِ الكَفَّارَةُ المَذْكُورَةُ في هذَا الحَدِيثِ، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّز عَنْ يَمِينِه، ولْيَفْعَلِ الذِي هُوَ خَيْرٌ" وَلَمْ يَقُلْ: فَليَقُلْ إنْ شَاءَ اللهُ، وَلْيَفْعَلْ.
قالَ عِيسَى: ومَعْنَى هذَا الحَدِيثِ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يُسْلِفَ أَحَدًا شَيْئًا، ولَا يُكَلِّمَ فُلَانًا، فهَذَا ومَا أَشْبَهَهُ لِمَنْ حَلَفَ على ذَلِكَ باللهِ أَنْ يَحْنَثَ في يَمِينِه، ويَفْعَلَ الذِي حَلَفَ عَلَيْهِ أَلَّا يَفْعَلَهُ، ويُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِه، لأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ مِنَ الطَّاعَاتِ للهِ، وللرَّجُلِ أنْ يُكَفِّرَ في اليَمِينِ باللهِ قَبْلَ الحِنْثِ وبَعْدَهُ، لأَنَّ هذَا الحَدِيثَ رُوِي بِلَفْظَيْنِ، قِيلَ: "فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينهِ، وَلْيَفْعَلِ الذِي هُوَ خَيْرٌ"، ورُوي: "فَلْيَفْعَلِ الذِي هُوَ خَيْرٌ، ويُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِه"، وأَمَّا غَيْرُ اليَمِينِ باللهِ فَلَا يُكَفِّرُ الحَالِفُ بهِ إلَّا بعدَ الحِنْثِ.
(١) سنن أبي داود (٣٢٦١)، ورواه أحمد ٢/ ١٠ عن سفيان بن عيينة به.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute