للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه: ١٢]، ثُمَّ قَالَ لَهُ كَعْب: هَلْ تَدْرِي مِمَّا كَانتَا نَعْلَا مُوسَى؟ إنَّمَا كَانتَا مِنْ جِلْدِ حِمَارِ مَيِّتٍ (١).

قالَ أَبو عُمَرَ: إنَّمَا أَدْخَلَ مَالِكٌ هذا الحَدِيثَ في المُوطَّأ على الرُّخْصَةَ في الإنْتِعَالِ بِجُلودِ المَيْتَةِ.

[قالَ أبو المُطَرِّفِ]: كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ [أَهْلِ] (٢) الأَمْصَارِ الإنْتِفَاعَ بِجُلُودِ المَيْتَةِ،

واحْتَجُّوا بِما رَوَاهُ ابنُ أَبي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ عبدِ [الرَّحمن] (٣) بنِ أَبي لَيْلَى، عَنْ عبدِ اللهِ بنِ عُكَيْمٍ، قالَ: كَتَبَ إلينَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَّا تَنْتَفِعُوا مِنَ المَيْتَةِ بإهَابٍ ولَا عَصَبٍ" (٤).

قالَ أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ: أَخَذَ بِهَذا الحَدِيثِ قَوْمٌ وَحَسِبُوهُ نَاسِخًا لإبَاحَةِ الانْتِفَاعِ بِجُلُودِ المَيْتَةِ، واحْتَجُّوا في ذَلِكَ أَيْضًا بِأَنْ قَالُوا: إنَّ المَيْتَةَ مُحَرَّمَة، فَكَذَلِكَ جِلْدُهَا مُحَرَّمٌ، فَلَا يَجُوزُ أنْ يُنتفَعَ بهِ في شَيءٍ ما.

قالَ أَحْمَدُ: وهذَا حَدِيثٌ لَمْ يَرْوِه أَحَدٌ غَيْرُ عبدِ اللهِ بنِ عُكَيْمٍ عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ومَرَّةً يَقُولُ: كَتَبَ إلينَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أقَبْلَ مَوْتهِ، (٥) بِشَهْرٍ "ألَّا تَنْتَفِعُوا مِنَ المَيْتَةِ بِإِهَابٍ ولَا عَصَبٍ"، فَاضْطَرَبتْ فِيهِ رِوَايَتُهُ، وقَدْ ثَبَتَ حَدِيثُ الإنْتِفَاعِ بِجُلُودِ المَيْتَةِ إذ دُبِغَ عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقَدْ قِيلَ لَهُ: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّها مَيْتَة، فقَالَ: "إنَّما حُرِّمَ أَكْلُهَا"، ثُمَّ أَبَاحَ الإنْتِفَاعَ بِجِلْدِها، وَهُوَ المُبَيِّنُ عَنِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مَا حَرَّمَ ومَا أَبَاحَ، وهذَا الذي عليهِ أَهْلُ المَدِينَةِ.


(١) موطأ مالك، برواية ابن بكير، الورقة (١٧١ ب) نسخة الظاهرية. قلت: وهذا الأثر رواه يحيى في موطئه (٣٣٩٦) في كتاب الجامع، باب ما جاء في الإنتعال، وكان المصنف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- سهى عنه. وما كان بين معقوفتين سقط من الأصل ولابد منه.
(٢) جاء في الأصل: (الأهل)، وهو خطأ لا يتوافق مع السياق.
(٣) جاء في الأصل (عبد الله)، وهو خطأ.
(٤) مصنف بن أبي شيبة ٨/ ٣١٤ - ٣١٥، ورواه أبو داود (٤١٢٧)، والترمذي (١٧٢٩)، والنسائي ٧/ ١٧٥، وابن ماجة (٣٦١٣).
(٥) ما بين المعقوفتين زيادة من المعجم الأوسط للطبراني ١/ ٢٥١، وسنن البيهقي ١/ ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>