[أبو المُطَرِّفِ]: إنَّمَا قِيلَ في المُلاَعَنِ يَشْهَدُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ باللهِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ بَابِ المُشَاهَدَةِ بالأَبْصَارِ أَو بالقُلُوبِ، ولَذِلَكَ ما قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ قالَ لامْرَأتِهِ: يا زَانِيَةُ، ولَمْ يَقُلْ رَأَيْتُ، ولَا نَفَى حَمْلًا، أَنَّهُ يُحَدُّ ولَا يُلاَعَنُ.
وقالَ أَبو حَنِيفَةَ: اللِّعَانُ شَهَادَةٌ، ولَا يُلاَعَنُ إلَّا مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ (١).
قالَ أَبو المُطَرِّفِ: يُرَدُّ هذَا القُوْلَ قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦]، فَدَخَلَ في هذَا مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، ومَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ.
* وقالَ أَيْضَا أَبو حَنِيفَةَ: لَا يُوجِبُ اللِّعَانُ الفُرْقَةَ، حتَّى يُطَلِّقَ الزَّوْجُ بَعْدَ لِعَانِهِ، واحْتَجَّ في ذَلِكَ بِقِصَّةِ عُوَيْمِرٍ العَجْلاَنِيِّ [٢٠٩٢].
قالَ أَبو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ فِيهَا حُجَّةٌ، لأَنَّ عُوَيْمِرًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِطَلاَقِهَا، وإنَّمَا كَانَ يَحْتَجُّ بِها لَوْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ.
* وفِي حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ [٢٠٩٣] بَيَانٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ في هذِه المَسْأَلَةِ، أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَّقَ بَيْنَ المُتَلاَعِنَيْنِ، وأَلْحَقَ الوَلَدَ بالمَرْأَةِ، والفِرَاقُ هُوَ مَا يَقَعُ بَيْنَ الزَّوْجِيْنِ بِقَلْبِهِ لا باخْتِيَارٍ، والطَّلاَقُ إنَّمَا يَقَعُ باخْتِيَارٍ مِنَ الزَّوْجِ.
قالَ ابنُ مُزَيْنٍ: قَالَ عِيسَى: إني لَا أُحِبُّ للزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ الزَّوْجَةَ على إثْرِ اللِّعَانِ كَمَا صَنَعِ عُوَيْمِرُ العَجْلاَنِيُّ، وإنْ لَمْ يَفْعَلْ فَإنَّهُ يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ مَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ أَنَ المُلاَعِنيْنِ لا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا.
قالَ مَالِكٌ: للمُسْلِمِ أَنْ يُلاَعِنَ زَوْجَتَهُ اليَهُودِيَّةِ والنَّصْرَانِيَّةِ في نَفْي الحَمْلِ، وفِي الرُّؤْيَةِ، لأَنَّهُ يَقُولُ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَلِكَ الوَطْءِ حَمْلٌ، فَيُلْحَقُ بِي إنْ لَمْ أَنْفِهِ عَنْ نَفْسِي، فَلِذَلِكَ جَازَ لَهُ أَن يُلاَعِنَ في نَفِي الحَمْلِ عَنْ نَفْسِهِ، وفِي الرُّؤْيَةِ.
قالَ ابنُ القَاسِمِ: يَحْلِفُ الزَّوْجُ في الرُّؤْيَةِ: أَحْلِفُ باللهِ أَنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ، لَقَدْ رَأَيْتُهَا تَزْنِي كالمِرْوَدِ في المَكْحَلَةِ، يَحْلِفُ هَكَذَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، ويَزِيدُ في الخَامِسَةِ: أَنْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيَّ إنْ كُنْتُ مِنَ الكَاذِبِينَ، ثُمَّ تَحْلِفُ هِيَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ باللهِ
(١) ينظر: بدائع الصنائع ٣/ ٢٣٧، والمبسوط ٧/ ٤٢.