قَبْلِ أَنْ تُقْبَضَ إذا بِيعَتْ مِنْ غَيْرِ الذي اشْتُرِيتْ مِنْهُ وقَبَضَ البَائِعُ الثَّمَنَ ولم يُؤَخِّرهُ، وَهِيَ بِخِلاَفِ الطَّعَامِ، وتَعَلَّقَ قَوْمٌ في هذِه المَسْأَلةِ مِنْ أَهْلِ الأَمصَارِ بِقَوْلِ ابنِ عبَّاسٍ فَلَم يُجِيزُوا بَيع شَيءٍ مِنَ العُرُوضِ قَبْلَ قَبْضِها كالطَعامِ سَوَاءً، وجَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ.
قالَ ابنُ القَاسِمِ: وإنَّمَا رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ الذي نُهِيَ عَنْهُ في بَيع الطَّعَامِ المَكِيلِ خَاصَّةً قَبْلَ قَبْضِهِ لا في العُرُوضِ، وقَد أَجَازَ مَنْ يُخَالِفُ أَهْلَ المَدِينَةِ في هذِه المَسْأَلَةِ عِتْقَ مَن اشْتَرَى عَبْداً ثُمَّ أَغتَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبضَهُ، ولَيْسَ يَجُوزُ عِتْقُ مَالا يَملِكُهُ الإنْسَانُ كَمَا لا يَجُوزُ بَيع مَالا يَملِكُهُ، فأَمَّا مًا مَلَكَهُ بالصِّفَةِ فَجَائِز لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ.
قالَ أَبو المُطَرِّفِ: إنَّمَا جَازَ لِمَنْ سَلَمَ عَيْنَا في عَرضٍ مَوْصُوفٍ أَنْ يَبيعَهُ مِنَ الذي هُوَ عَلَيْهِ إذا حَلَّ أَجَلُهُ بِعَزضٍ مِنَ العُرُوضِ يَقْبضُهُ مِنْهُ في الوَقْتِ، لأَنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ بَيع عَزضٍ حَاضِرٍ بِعَرضٍ اَخَرَ، فَصَارَ العَرضُ بالعرضِ يَداً بِيَدٍ، فإذا لم يَحِلَّ أَجَلُ العَرْضِ المُسْلَمِ فِيهِ أَوَّلاً لَمْ يَبعهُ مِنَ الذي هُو عليه ولا مِنْ غَيْرِه إلَّا بِعَزضٍ مُخَالِفٍ للعَرضِ المُسْلَمِ فيهِ، وذَلِكَ أَنَّهُ يَصِيرُ العَرْضُ المَقْبُوضُ الآنَ عِوَضَاً مِنَ الثَّمَنِ الذي دَفَعَهُ المُسْلَمُ أَوَّلاً، ولَا يَجُوزُ أنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ حُلُولِ الأَجَلِ بِعَرضٍ مِثْلِهِ، لأَنَّهُ يَدخُلُهُ تَعجِيلُ حَق على طَرحِ الضَّمَانِ، فَيَصِيرُ بِذَلِكَ رِبا، إنَّما جَازَ لِمَنْ سَلَمَ في أربَعَةِ أَثْوَابٍ مَوْصُوفَةٍ إلى أَجَلٍ أَنْ يَأْخُذَ عَنْدَ الأَجَلَ ثَمَانِيَةَ أَثْوَابٍ دُونَ الصِّفَةِ المُسْلَمِ فِيها مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ بَيع عَرَضٍ بِعَرَضٍ مُتَفَاضِلاً يَداً بِيَدٍ، وذَلِكَ جَائِز، ولَم يَجُزْ ذَلِكَ قَبْلَ الأَجَلِ لأَتهُ يُغطِيهِ ثَمَانِيَةً نَقْدَاً في أَربَعَةٍ مِنْ غَيْرِ صفَتِها قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ أَجَلُها على أَنْ يَقْبِضَها مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ الأَجَلِ، فَيَدخُلُهُ البَيع والسَّلَفُ، ويَدخُلُهُ الزِّيَادَةُ على أَنْ طُرِحَ عَنْهُ الضَّمَانَ، وكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيهِ قَبْلَ الأَجَلِ أَدنَى مِنْ صفَتِها، لأَنَّهُ يَدخُلَهُ (ضَعْ وتَعَجَّلْ) (١)، وَهُوَ الرِّبَا.
(١) سبق ان ذكرنا تفسير هذه الكلمة في كتاب المكاتب، باب القطاعة في الكتابة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute