قالَ ابنُ القَاسِمِ: أصلُ مَا يُعْرَفُ بهِ فِسَادُ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ هُوَ: أَنْ يَتَبَايَعَ الرَّجُلاَنِ بأَمرَيْنِ إنْ فُسِخَتْ إخدَهُمَا في الآخِرِ كَانَ حَرَامَاً، وذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: خُذْ سِلْعَتِي بِعَشَرَةٍ نَقْدَاً أَو بِخمسَةَ عَشَرٍ إلى أَجَلٍ، أَو يَكُونَ إنْ فُسِخَتْ أحدُهُمَا في الآخِرِ لَمْ يَكُنْ حَرَامَاً، وكَانَ غَرَراً لا يُنرَى مَا عَقَدَ بهِ البَائِعُ بَيع سِلْعَتِهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: خُذْها بِدِينَارٍ نَقْداً أَو بِشَاةٍ مَوْصُوفَةٍ إلى أَجَلٍ، فَهذا أَمِنَ المُخَاطَرَةَ، ويُفْسَخُ هذا البَيع إذا وَقَعَ، إلَّا أَنْ تَفُوتَ السِّلْعَةُ، فَيَكُونَ على المُبْتَاع قِيمَتها يَوْمَ قَبَضَها.
قالَ ابنُ القَاسِمِ: وأَمَّا إذا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا على وَجْهِ المُسَاوَمَةِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ، لأَنَّ المُشْتَرِي في أَحَدِ الثَّمَنَيْنِ بالخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَيَضَاً أَخَذَ، وإنْ شَاءَ تَرَكَ.
قالَ ابنُ القَاسِمِ: سَأَلْنَا مَالِكَاً عَنِ الذي يَسُومُ بالسِّلْعَةِ فَيَقُولُ صَاحِبها بِكَذَا وكَذَا، فَيَقُولُ السَّائِمُ: قَدْ أَخَذْتُها، فَيَقُولُ البَائِعُ: لَمْ أَرِدْ وَجْهَ بَيْعٍ ولا أَبِيعُها مِنْكَ، يَخلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهذا بَيْعَهَا، فإنْ لَمْ يَخلِفْ لَزِمَهُ البَيع.
قالَ مَالِكٌ: وإذا قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: بِكَم سِلْعَتُكَ؟ فَيَقُولُ: بِكَذا وكَذَا، فَيَقُولُ: قَدْ أَخَذْتُها، ولَكِئي أَذْهبُ فَأَسْتَشِيرُ فِيها، فَيَذْهبُ بِها، ثُمَّ يَأْتِيهِ بالثَمَنِ فَيَقُولُ: لا أَبِيعُها، إنَّمَا كَانَ هَذا مِنِّي على وَجْهِ المُسَاوَمَةِ، ولَم أَرِدْ وَجْهَ بَيْعٍ.
قالَ مَالِكٌ: البَيْعُ لَهُ لاَزِمٌ وَهُوَ نَادِمٌ في بَيْعِهَا، ولَيْسَ هذا مِثْلُ الأَوَّلِ الذي لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنَ السِّلْعَةِ ولَا ذَهبَ بِها.
وَجْهُ كَرَاهِيَةِ ابنِ عُمَرَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ للرَّجُلِ: ابِتَع لِي هذا البَعِيرَ بِنَقْدٍ حتَّى ابضاعَهُ مِنْكَ إلى أَجَلٍ، إنَّما كَرِهَهُ ابنُ عُمَرَ لأَنَّ الذي اشْتَرَى البَعِيرَ بِعَشَرَةٍ وبَاعَهُ باثْنتَيْ عَشَرَ إلى أَجَلٍ إنَّمَا أَسْلَفَهُ عَشَرَةً لِيَأْخُذُ مِنْهُ اثْنتَي عَشَرَ، فإنْ بَاعَهُ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا ابْتَاعَهُ بهِ إلى أَجَلٍ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، لأَنَّهُ أَسْلَفَهُ الثَّمَنَ ولَم يَزد عَلَيْهِ شَيْئَاً، فإذا بَاعَهُ مِنْهُ بأَكْثَرَ فُسِخَ البَيْعُ، إلَّا أَنْ يَفُوتَ، فَتَكُونُ فِيهِ القِيمَةُ يَوْمَ قَبَضَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute