* قولُ عُمَرَ: (واللهِ لَا يُؤْسَرُ رَجُل في الإسلَامِ بغَيْرِ العدلِ)، يَعنِي: لا يُقْضَى بِشَهادَةِ غَيْرِ العَدْلِ على أَحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ.
قالَ أَبو محمد: افْتُتِحَ العِرَاقُ في أَيَّامِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وكَانَ النَّاسُ بِها أَخْلاَطاً مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى، فَكَانَ مِنْهُم مَنْ يَتَرَخَّصُ في شَهادَاتِ الزُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ مَنَعَ مِنْ قَبُولِ شَهادَةِ غَيْرِ العَدْلِ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا رِضَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ.
قالَ أَبو عُمَرَ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّبَاً عَلَيْهِ الكَذِبُ، ولَم يُظْهِرِ الكَبَائِرَ، وكَانَ الخَيْرُ عَلَيْهِ غَالِبا جَازَتْ شَهادَتُهُ وتَعدِيلُهُ.
وقالَ قَوْمٌ: لَا تَجُوزُ إلَّا شَهادَةُ مَنْ فَعَلَ كُلَّ مَا أُمِرَ بهِ، وانتهى عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ.
قالَ أَبو عُمَرَ: وهذه قَوْلَةٌ شَدِيدَةٌ، والأَوَّلُ أحسَنُ.
قالَ أَبو المُطَرّفِ: قَوْلُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: (لَا تَجُوزُ شَهادَةُ خَصمٍ ولَا ظَنِينٍ)، يَعنِي (بالخَصمِ): الذي يُخَاصِمُ الرَجُلَ عَنْ غَيْرِهِ، فَلَا تَجُوزُ شَهادَتُهُ عَلَيْهِ، و (الظَّنِينُ): هُوَ المُتَّهمُ الذي لَا يُؤْمَنُ بِتِلْكَ الشَّهادَةِ، كَالأَبِ لابْنِهِ، أَو الزَّوْجَيْنِ أَحَدُهُمَا للأَخِرِ، وتَجُوزُ شَهادَةُ الأَخِ العَدْلِ لأَخِيهِ، إلَّا في الوَلَاءِ، لأَنَّهُ يَجُرُّ ذَلِكَ إلى نَفْسِهِ.
قالَ ابنُ القَاسِمِ: إذا تَابَ المَحدُودُ قُبلَتْ شَهادَتُهُ، لِقَوْلهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٤، ٥] فَوَجَبَ بِهذا النَّصّ أَنْ تُقْبَلَ شَهادَةُ المحدُودِ إذا تَابَ وأَصلَحَ، فإذا قَبِلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- تَوْبَةَ عَبْدِه كَانَ العِبَادُ بالقَبُولِ أَحَقَّ وأَوْلَى، ولَم يَخْتِلفْ أَحَدٌ فِي أَنَ الزانِيَ إذا تَابَ قُبلَتْ شَهَدَادَتُهُ، فَرَامِيهِ بالزِّنَا أَيْسَرُ جُرْمَاً مِنْهُ إذا نزعَ عَنْ ذَلِكَ، وتَابَ، وصَلُحَتْ حًالتهُ.
سَأَلْتُ أبا مُحَمَّدٍ عَنْ معنَى قَوْلِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لأَبي بَكْرَةَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute