للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَضيَ اللهُ عَنْهُ، وَلَدتْ لَهُ ابْنَةُ خَارِجَةَ جَارِيَة يُقَالُ لَها أُمُّ كُلْثُومٍ، فَنَرَى واللهُ أَعْلَمُ أَن أبا بَكْرٍ رأى ذَلِكَ رُؤْيَا فتَأَوَّلَهَا، وكَانَ مِنْ أَعْبَرِ النَّاسِ للرُّؤْيَا.

* قوْلُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: (مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْحَلُونَ أبْنَاءَهُمْ نَحْلًا ثُمَّ يُمْسِكُونَهَا) [٢٧٨٤]، وذَكَرَ القِصَّةَ إلى آخِرِهَا، يُرِيدُ عُمَرُ: أَنَّهُ مَنْ نَحَلَ ابْنًا لَهُ كَبيرًا نَحْلًا فَلَمْ يُحِزْهَا الكَبِيرُ المَالِكُ لأَمْرِ نَفْسِهِ حتَّى مَاتَ الأَبُ فَهِيَ بَاطِلٌ، وأَمَّا الولَدُ الصَّغِيرُ فَحِيازَةُ الأَبِ لَهُ حِيَازَةٌ حتَّى يَبْلُغَ مَبلَغَ القَبْضِ لِنَفْسِهِ، وقَدْ بيَّنَ ذَلِكَ عُثْمَانُ بنُ عَفانَ، ذَكَرَ ذَلِكَ مَالِكٌ عَنْهُ في آخِرِ كِتَابِ الأَقْضِيَةِ مِنَ المُوطَّأ [٢٨٥٠].

قالَ أَبو المُطَرِّفِ: لَمْ يَجُزْ لِمَنْ وَهَبَ هِبَةً على وَجْهِ الصَّدَقَةِ، أَو لِصَلَةِ رَحِم أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَا وُهِبَ لِوَجْهِ اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى فَلَا رُجُوعَ فِيهِ، لِقَوْلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الرَّاجِعُ في هِبَتِهِ كَالكَلْب يَعُودُ في قَيْئِهِ" [٩٨٠] (١)، فأَكْلُ القَيءِ حَرَامٌ، فَكَذَلِكَ الرُّجُوعُ فِيمَا وُهِبَ لِوَجْهِ الله -عَزَّ وَجَلَّ- حَرَامٌ، وأما هِبةُ الثَّوَابِ فَمَتَى لَمْ يَرْضَ مِنْهَا صاحِبُهَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، لأنهَا بَيعٌ مِنَ البيوعِ.

قالَ أَبو المُطَرِّفِ: أَجْمَعَ أَهْلُ المَدِينَةِ على جَوَازِ الإعْتِصَارِ في الهِبَةِ والنَّحْلَةِ لِمَنْ نَحَلَ وَلَدَهُ أو وَهَبَهُ، وذَلِكَ أَنَ الرَّجُلَ قَدْ يَطْلُبَ مُرَاضَاةَ ابْنِهِ بِمَا يَهِبَهُ إيَّاهُ لِيَسْتَزِيدَ مِنْ بِرِّهِ لَهُ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَنْفَذَ ذَلِكَ لَهُ، فَلَمَّا أَضْمَرَ هَذا في نَفْسِهِ عِنْدَ النَّحْلَةِ أو الهِبَةِ جَازَ لَهُ اعْتِصَارُهَا، وأما الصَّدَقَةُ والحَبْسُ فَلَا اعْتِصَارَ في شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ، لأَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ بهِ وَجْهَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وإنَّمَا يَعْتَصِرُ الأَبُ الهِبَةَ أَو النَّحْلَةَ مِنْ وَلَدِهِ مَا لَمْ يَتَزوَجِ الوَلَدُ عَلَيْهَا أَو الابْنَةُ، أَو يُدَايِنُ الابْنُ النَاسَ على مَا بِيَدِه مِنْ ذَلِكَ، فماذا وَقَعَ مِثْلُ هَذا لم يَجُزْ للأَبِ أنْ يَعْتَصِرَ حِينَئِذٍ مَا وَهَبَ ابْنَهُ ونَحْلَهُ إيَّاهُ، لأَن النَاسَ إنَّمَا دَايَنُوهُ على مِلْكِهِ لِذَلِكَ، وكَذَلِكَ الزوْجُ إنَّمَا رَفَعَ في صُدَاقِ زَوْجَتِهِ، مِنْ أَجْلِ مَا نَحَلَها بهِ أَبُوهَا، وللأُمِّ أيضًا أَنْ تَعْتَصِرَ مَا وَهَبْتَهُ ابْنَهَا مَا لَمْ يَكُنِ الإبنُ يَتيمًا، وذَلِكَ أَنَّ اليتِيمَ لا يُوهِبُ شَيْئًا إلَّا للهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

* * *


(١) رواه البخاري (٤٢٨١)، ومسلم (١٦١٩)، من حديث عمر بن الخطاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>