وقَوْلُهُ في الشَّاةِ: "هِيَ لَكَ، أَو لأَخِيكَ، أَو للذئبِ"، يعْنِي: إذا وَجَدَها الرَّجُلُ في الفَيَافِي وفِي البُعْدِ مِنَ القُرَى فَهِيَ لَهُ إنْ أَرَادَهَا، فإنْ تَرَكَهَا في ذَلِكَ المَكانِ أَخَذَهَا غَيْرُهُ، أَو أكَلَتهَا السِّبَاعُ، وذَلِكَ أَئهَا لا تَستَطِيعُ الامْتِنَاعَ مِنَ السِّبَاعِ كَمَا تَمْتَنِعُ مِنْهَا الإبِلُ، فتَدْفَعُهَا عَنْ أَذِيَتهَا بأَخْفَافِهَا، ووِكْضِهَا إيَّاهَا، فأَمَّا إذا وَجَدَ الرَّجُلُ شَاةَ بِقُرْبِ قَرْيَةٍ لَمْ يَحِل لَهُ أَخْذُهَا، ولَا بَأْسَ أَنْ يَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ المُقِيمِينَ حتَى يَأْتِيَ اللهُ بِصَاحِبِهَا، ومَن وَجَدَ طَعَامًا بِقُرْبِ قَرْيَةٍ عَرَّفَهُ، فإنْ لَمْ يَجِدْ صَاحِبَهُ وخَشِيَ عَلَيْهِ الفَسَادَ تَصَدَّقَ بهِ،
فإنْ كَانَ مُحْتَاجًا إليهِ أكَلَهُ، ولَمْ يَضمَنْهُ لِصَاحِبهِ إنْ جَاءَ يَطلُبُهُ، وقَدْ وَجَدَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - تَمْرَةً بالمَدِينَةِ في الطَرِيقِ، فقالَ: "لَوْلاَ أَنَّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقةِ لأكلْتُهَا" (١)، فَإنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ أكلِهَا إذ خَشِيَ أَنْ تَكونَ مِنَ الصَّدَقَةِ التي لَا تَحِلُّ لَهُ، ولَو كَانَتْ مِنْ غَيْرِ الصدقة لأكلَهَا، فَلِهَذا أُسْقِطَ الغُرْمُ عَنْ أكْلِ الطعَامِ المُلْتَقَطِ إذا أَكَلَهُ مِنْ حَاجَةٍ.
قالَ أَبو مَحَمَّدِ: إنَّمَا صَارَتِ اللُّقَطَةُ في رَقَبَةِ العَبْدِ إذا اسْتَهْلَكَهَا قَبْلَ السَّنَةِ، لِقَوْلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَرِّفْهَا سَنهً، ثم شَأْنُكَ بِهَا"، فلَم يَجْعَلْ فيهَا تصَرُّفَا لملتقطها إلَّا بَعْدَ السَّنَةِ، فَإذا أَتْلَفَهَا العَبْدُ المُلْتَقِطُ لَها بَعْدَ السنة كَانَتْ في ذِمَّتِهِ لاخْتِلاَفِ النَّاسِ فِيهَا، إذْ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُبِيحُهَا لِمُلْتَقَطِهَا بَعْدَ السَّنَةِ.
* قالَ أَبو المُطَرِّفِ: إنَّمَا أَمَرَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ثَابتَ بنَ الضحَّاكِ بإرْسَالِ البَعِيرِ الذي وَجَدَهُ بالحرَّةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ قَدْ أَخَذَهُ [٢٨٠٨] لأَنهُ أَخْطَأَ في أَخْذِهِ إيَّاهُ، وقَدْ مَنَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَخْذِ ضَالَّةِ الإبِلِ فَقَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا"، وهَذا بخِلاَفِ العُرُوضِ، ومَنْ وَجَدَ عُرُضًا فَأَخَذَهُ وعَرَّفَهُ فَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلى المَوْضِعِ الذي وَجَدَهُ فِيهِ، فإنْ فَعَلَ وتَلَفَ ضَمِنَهُ لِصَاحِبهِ إذا جَاءَ بِعَلاَمَتِهِ.
(١) رواه البخاري (٢٢٩٩)، ومسلم (١٠٧١)، من حديث أنس.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute