للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَحْمِ الصَّيْدِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وكَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يُبيحُ للمُحْرِمِ أَكْلَ لَحْمِ الصَّيْدِ إذا لَمْ يُصَدْ مِنْ أَجْلِهِ، ولِذَلِكَ قَالَ لأَبي هُرَيْرَةَ حِينَ أَفْتَى المُحْرِمِينَ بِأَكْلِ لَحْمِ مَا لَمْ يُصَدْ مِنْ أَجْلِهِمْ: (لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لأَوْجَعْتُكَ) [١٢٨٣].

* قالَ ابنُ القَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: كَرِهَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ قَوْلَ كَعْبِ الأَحْبَارِ في الجَرَادِ حِينَ قَالَ: (إنَّمَا هُوَ نَثْرَةُ حُوتٍ) [١٢٨٤] , وأَوْجَبَ فِيهِ عُمَرُ الفِدْيَةَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ، لأَنَّهُ مِنْ صَيْدِ البَرِّ، الذي يَفْدِيهِ المُحْرِمُ إذا قَتَلَهُ.

* قالَ أَبو مُحَمَّدٍ: أَهْدَى الصَّعْبُ بنُ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيُّ الحِمَارَ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوَدَاعِ [١٢٨٩] , وذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ بِمُرُورِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَوْضِعِه الذي هُوَ مُقِيمٌ فِيهِ أَعَدَّ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولأَصْحَابهِ هَدِيَّةً، وكَانَ في جُمْلَتِهَا حِمَارٌ وَحْشِيّ قَدْ صَادَهُ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولأَصْحَابِهِ، فَلَمَّا أَهْدَى إليهِ الهَدِيَّةَ والحِمَارَ رَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الحِمَارَ.

قالَ أَشْهَبُ: سَمِعْتُ مَالِكَا يَقُولُ: كَانَ ذَلِكَ الحِمَارُ المُهْدَى حَيًّا.

قالَ غَيْرُهُ: وَلَو كَانَ ذَلِكَ الحِمَارُ مَذْبُوحًا لَمْ يَرُدُّهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، لأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ لَحْمَ صَيْدٍ، قالَ: هَذَا هُوَ المَأْمُورُ بهِ، والذي عَلَيْهِ الفُتْيَا، وإذا كَانَ حِمَارٌ قَدْ صِيدَ لِمُحْرِمٍ لَمْ يَجُزْ ذَبْحُهُ، ولَا أَكلُهُ على حَالٍ.

وبِظَاهِرِ هَذا الحَدِيثِ أَخَذَ مَالِكٌ فِيمَا صِيدَ للمُحْرِمِينَ ثُمَّ ذُبِحَ لَهُمْ أَنَّهُ لا يَأْكُلُهُ مُحْرِمٌ ولَا حَلَالٌ، وهَذا عَلَى سَبِيلِ الكَرَاهِيةِ لَهُ، وأَمَّا مَا صَادَهُ المُحْرِمُ ثُمَّ ذَبَحَهُ فَلَا يَأْكُلُهُ مُحْرِمٌ ولَا حَلَالٌ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، لأَنَّهُ مَيْتَةٌ، وذَلِكَ أَنَّ ذَكَاةَ المُحْرِمِ للصَّيْدِ لَيْسَتْ بِذَكَاةٍ، وإنَّمَا هُوَ مَقْتُولٌ، قالَ اللهُ تَبَاركَ وتَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] , واعْتَذَرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الصَّعْبِ بنِ جَثَّامَةَ حِينَ رَدَّ إليهِ الحِمَارَ، لِئَلَّا يَقَعَ في نَفْسِهِ أَنَّهُ إنَّمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ شَيءٍ كَرِهَهُ مِنْ نَاحِيتِه، وهَذا مِنْ حُسْنِ الأَدَبِ، ثُمَّ أَعْلَمَهُ أَنَّ المُحْرِمَ لا يَسْتَبِيحُ أَخْذَ الصَّيْدِ.

قالَ أَبو عُمَرَ: وفِي هَذا أَيْضًا مِنَ الفِقْهِ: رَدُّ الهَدِيَّةِ للعُذْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>