للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقُلْتُ لأَبي مُحَمَّدٍ: مَا مَنَعَ الخُلَفَاءَ بَعْدَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبْنُوهُ؟ فقالَ لِي: اشْتَغَلُوا عَنْ ذَلِكَ بالجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ، وتُرِكَ كَمَا تَرَكَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -.

[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: الرَّمَلُ بالبَيْتِ عِنْدَ الطَوَافِ مَأْمُورٌ بهِ، ومَنْ تَرَكَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيءٌ.

وقَدْ قِيلَ: إنَّ مَنْ تَرَكَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ شَاةً، وكَانَ سَبَبُهُ مَا رَوَاهُ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُوبَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاس قالَ: "قَدِمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأَصْحَاُبهُ مَكَّةَ وقَدْ وَهَنتهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَقَالَ المُشْرِكُوَّنَ: إنَّهُ يَقْدِمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنتهُمْ الحُمَّى، فأَطْلَعَ اللهُ نَبيَّهُ عَلَى مَا قَالُوا، فأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْمَلُوا إذا طَافُوا بالبَيْتِ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَيَمْشُوَا أَرْبَعًا، فَلَمَّا رَآهُمْ المُشْرِكُونَ فَعَلُوا ذَلِكَ قَالُوا: هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنَا وأَقْوَى" (١).

في هَذا الحَدِيثِ مِنَ الفِقْه: إظْهَارُ الجَلَدِ والقُوَّةِ عِنْدَ مُلَاقَاةِ العَدُوِّ.

[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَسْنَدَ الوَليدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذا قَضَى طَوَافَهُ بالبَيْتِ وأَرَادَ الخُرُوجَ إلى الصَّفَا اسْتَلَمَ الحَجَرَ" (٢).

* وهَذا الحَدِيثُ في جَمِيعِ المُوَطَّآتِ [عَنْ] (٣) مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا قَضَى طَوَافَهُ بالبَيْتِ" [١٣٤٦].

* ومَالِكٌ يَسْتَحِبُّ لِمَنْ طَافَ بالبَيْتِ وَرَكَعَ أَنْ يَسْتَلِمَ الحَجَرَ، وكَذَلِكَ يَخْرُجَ إلى الصَّفَا للسَّعِي بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، ومَنْ تَرَكَ الاسْتِلَامَ فَلَا شَيءَ عَلَيْهِ، وقَدْ قَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ: "كَيْفَ صَنَعْتَ في اسْتلَامِ الرُّكْنِ الأَسْوَدِ؟ فقَالَ: اسْتَلَمْتُ وتَرَكتُ، فقَالَ: أَصَبْتَ" [١٣٤٧] فَفِي هَذا بَيَانُ: أَنَّ مَنْ تَرَكَ الإسْتِلَامَ مَنْ غَلَبَةُ أَلَّا شَيءَ عَلَيْهِ.


(١) رواه البخاري (١٥٢٥)، ومسلم (١٢٦٦)، بإسنادهم إلى حماد بن زيد به.
(٢) ينظر: التمهيد ٢٤/ ٤١٣.
(٣) زيادة يقتضيها السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>