يَعْنِي: يَرْمُوا لليومِ الذي غَابُوا فِيهِ عَنْ مِنَى للرَّعِي، ثُمَّ يَرْمُونَ عَنْ يَوْمِهِم الذي آتَوا فِيهِ مِنْ رَعْيهِم إلى مِنَى.
قالَ أَحْمَدُ: وهَذا الحَدِيثُ أَبْيَنُ مِنْ حَدِيثِ المُوطَّأ، لأَنَّهُ لَا يَقْضِي أَحَدٌ شَيْئَاً إلَّا بَعْدَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ، فإذا رَمُوا يَوْمَ النَّحْرِ جَمْرَةَ [العَقَبةِ] (١) ثُمَّ غَابُوا عَنْ مِنَى اليومَ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وأَتَوا اليومَ الثَّالِثِ رَمُوا عِنْدَ الزَّوَالِ عَنِ اليومِ الذي غَابُوا فِيهِ عَنْ مِنَى، وعَنْ يَوْمِهِم ذَلِكَ، فإنْ أَرَادُوا بَعْدَ ذَلِكَ الرَّمْيَ أنْ يَتَعَجَّلُوا إلى بِلاَدِهِم كَانَ ذَلِكَ مُبَاحَاً لَهُم مَا لَمْ تَغْرُبِ الشَّمْسُ وَهُم بِمِنَى، فإنْ غَابَتِ الشَّمْسُ وَهُم بِمِنَى أَقَامُوا بِهَا حَتَّى يَرْمُوا مَعَ النَّاسِ اليومَ الرَّابعِ عِنْدَ الزَّوَالِ، ونَفَرُوا إلى بِلاَدِهِمْ.
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِم البَقَاءُ بِمِنَى إذا غَرَبَتِ الشَّمْسُ فِي اليومِ الثَّالِثِ وَهُم بِمِنَى قَبْلَ أَنْ يَتَعَجَّلُوا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ اليومُ الذي فِيهِ رُخْصَةُ النَّفْرِ والتَّعَجِيلِ، وحَبَسَتْهُم لَيْلَةُ اليومِ الرَّابِعِ، فَلِهَذا لا يَنْفِرُوا مِنْ مِنَى حَتَّى يَرْمُوا اليومَ الرَّابِعِ.
* [قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إنَّمَا أَوْجَبَ مَالِكٌ الدَّمَ عَلَى مَنْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ العَقَبةِ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى غَرُبَتِ لَهُ الشَّمْسُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وَضَعَ جَمْرَةَ العَقَبةِ فِي غَيْرِ الوَقْتِ الذي يُرْمَى فِيهِ، فَلَمَّا أَخَّرَهَا يَوْمَ النَّحْرِ عَنْ وَقْتِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ لِذَلِكَ [١٥٤٢].
* ولَمْ يَاْخُذْ مَالِكٌ فِي هَذه المَسْأَلةِ بِرُخْصَةِ ابنِ عُمَرَ لِصَفِيّهَ حِينَ تَخَلَّفتْ بالمُزْدَلِفَةِ [١٥٤١]، مِنْ أَجْلِ النّفَاسِ حَتَّى غَرُبتِ الشَمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فأَمَرَها ابنُ عُمَرَ حِينَ أَتَتْ هِيَ ومَنْ كَانَ مَعَها بالرَّمِي، ولَمْ يَرَ ابنُ عُمَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى صَفِيّهَ ولَا عَلى مَنْ كانَ مَعَهَا دَمَاً، وأَخَذَ مَالِكٌ فِي هَذه المَسْأَلةِ وشَبَهِها بِقَوْلِ ابنِ عَبَّاسٍ: (مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسِكِه شَيْئاً أو تَرَكهُ فَعَلَيْهِ الدَّمُ) [١٤٨٥]، فَلِهَذا أَوْجَبَ مَاِلكٌ عَلَى مَنْ تَرَكَ رَمْي جَمْرَةَ العَقَبةِ يَوْمَ النَحْرِ وَرَمَاهَا باللَّيْلِ الدَّمَ.
(١) ما بين المعقوفتين زيادة يقتضيها السياق.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute