للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ مُحْرِمَاً" (١)، وهَذَا خَاصٌّ لَهُ ولِمَنْ دَخَلَها مَعَهُ ذَلِكَ اليوم، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: "إن مَكَةَ لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، ولَا تَحِلَّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وإنَّمَا أحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ" (٢).

ولِهَذا قالَ مَالِكٌ: إنَّ أَحَدأ لا يَدْخُلُ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمَاً بحَج أو عُمْرَةٍ، وكَانَ الزُّهْرِيّ يُرَخِّصُ فِي فىُ دخُولهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ أَيضاً مَالِكٌ للحَطَّابِينَ، وأَصْحَابِ الفَوَاكِهِ والأَطْعِمَةِ الذينَ يُكْثِرُونَ الإخْتِلاَفَ إلى مَكَّةَ، فقَالَ: لَا بَاْسَ أَنْ يَدْخُلُوهَا بغَيْرِ إحْرَام، لأَنَّ ذَلِكَ يَكْثُرُ مِنْهُم، فَلَو أُلْزمُوا الإحْرَامَ كُلَّمَا جَاؤُهَا لَشُقَّ بهِ عَلَيهِم (٣).

إنَّمَا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقَتْلِ ابنِ خَطَل بَعْدَ أَنْ كَانَ أَمَّنْ أَهْلَ مَكَّةَ بِقَوْلهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ"، ثُمَّ قَتَلَ ابنَ خَطَلٍ لأَنَّهُ كَانَ يَهْجُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ويُؤْذِيهِ، فَكَانَ عَدُواً للهِ ولِرَسُولهِ، وهَذا أَصْلٌ فِي إقَامَةِ الحُدُودِ بِمَكَّةَ، وهذا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّ الحُدُودَ لَا تُقَامُ بِمَكَّةَ (٤)، لِقَوْلهِ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمرانْ ٩٧]، وهَذا مَنْسُوخ، نَسَخَهُ نُزُولُ القُرْآنِ بإقَامَةِ الحُدُودِ عَلَى مَنْ أَصَابَهَا، فأَمَرَ اللهُ بقَطْعِ السَّارِقِ، وجَلْدِ الزَّانِي، وقَتْلِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ القَتْلُ، ولَمْ يَخُصَّ بُقْعَةً دُون بُقعَبة ولِهَذا قتَلَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ابنَ خَطَلٍ بِمَكَّةَ.

وهَذا حُكْمُ كُلِّ مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَو قَالَ: إنَّ ثَوْبَهُ أو إزَارَهُ وَسِخٌ أَنْ يُقْتَلَ، وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ كُلِّه الإزْرَاءَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فحُكْمُهُ القَتْلُ.

وكَذَلِكَ لَا حَظَّ فِي شَيءٍ مِنَ الفَيءِ، ولَا سَهْمَ لِمَنْ سَبَّ وَاحِدَاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَضِيَ اللهُ عَنْ جَمِيعِ أَصْحَابهِ.


(١) رواه مسلم (١٣٥٨)، وأبو داود (٤٠٧٦)، والترمذي (١٧٣٥)، وابن ماجه (٢٨٢٢)، بإسنادهم إلى أبي الزبير به.
(٢) رواه البخاري (١١٢)، ومسلم (١٣٥٥)، من حديث أبي هريرة به.
(٣) ينظر: التمهيد ٦/ ١٦٢ - ١٦٣.
(٤) هذا هو قول أبي حنيفة وأصحابه، ينظر: حاشية ابن عابدين ٦٢٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>