فإنَّهُ يُعْمَدُ إلى رَجُلٍ مِنْ سِنَّهِ، بَصَرُهُ مِنْ أَوْسَطِ أَبْصَارِ ذَلِكَ السِّنِّ، فَيُجَرَّبُ أَقْصَى مُنتهَى بَصَرِهِ بِبَيْضَةٍ أو بِدِرْهَم، فَإذا عُرِفَ مُنتهَى بَصَرِهِ جُعِلَ فِي المَوْضِعِ عَلاَمَة، ثُمَّ يُقَاسُ بَصَرُ المَضْرُوبِ فَيُنْصبُ لَهُ ذَلِكَ الشَيءُ فِي المَوْضِع الذي انتهَى إليه بَصَرُ الأَوَّلِ بَعْدَ أَنْ يُقْعَدَ فِي المَكانِ الذي أُقْعِدَ فِيهِ الأَوَّلُ، فإن أَبْصَرَ ذَلِكَ الشَّيءَ كَمَا أَبْصَرَهُ الأَوَّلُ فَإنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْ بَصَرِهِ شَيءُ، وإنْ قَالَ: لا أُبْصِرُهُ، قُرِّبَ إليهِ أَبَدَاً حَتَّى يَقُولَ: قَدْ أَبْصَرُتُهُ، فَيَقُاسُ الآنَ مُنتهى بَصَرِهِ مِنْ بَصَر الأَوَّلِ، ويُعْرَفُ قَدْرُ تَقْصِيرِه عَنْهُ، فإنْ كَانَ ثُلُثاً أو نِصْفَاً كَانَ لَهُ بِقَدْرِ ثُلُثِ دِيةِ البَصَرِ إنْ كَانَ ذَلِكَ الثُّلُثَ، أَو بِقَدْرِ نِصْفَ ذَلِكَ إنْ كَانَ نِصْفَاً أَو رُبْعَاً أَو مَا كَانَ بَعْدَ الإسْتِثْباتِ فِي ذَلِكَ، ويُقَاسُ ذَلِكَ فِي أَمْكِنَه شَتَّى ثُمَّ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ ويُعْطَى عَقْلَهُ.
قالَ: وإنْ اخْتُلِفَ قَدْرُ بَصَرِهِ فِي هَذِه المَوَاضِعِ وكَانَ اخْتِلاَفَا يَسِيرَاً الذِّرَاعُ ونُحْوَه، أُحْلِفَ عَلَى الأقَلِّ مِنْ ذَلِكَ وعَقَلَ لَهُ النقْصَانُ، وإنْ كَانَ اخْتِلاَفَاً كَثيرَاً لا يُشَكّ فِي كَذِبهِ اسْتُوفِيَ بهِ وَخُوَّفَ اللهَ، فإذا بَلَغَ أَقْصَى أَمْرِهِ أُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ، وعَقَلَ لَهُ ذَلِكَ النقْصَانُ.
قالَ: وأَمَّا نُقْصَانُ السَّمْعٍ فإنَّهُ يُنْظَرُ أَيْضَاً إلى رَجُلٍ مِنْ سِنِّهِ مِنْ أَوْسَطِ أَهْلِ ذَلِكَ الشن، فَيُفْعَلُ فِي ذَلِكَ نحْوَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الفِعْلِ فِي نُقْصَانِ البَصَرِ.
قالَ: وأَمَّا نُقْصَانُ المَنْطِقِ فإنَّهُ يُقَدَّرُ ذَلِكَ بإجْتِهَادِ النَّاظِرِ إليهِ عَلَى نَحْوِ مَا يُتَوهَّمُ إذا اخْتَبَرهُ أَهْلُ العَدْلِ والمَعْرِفَةِ أيَّامَاً، فإذَا قَالُوا: إنَّهُ لَيَقَعُ فِي قُلُوبِنَا أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ نِصْفُ كَلاَمِهِ أَو رُبْعُهُ، وكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فِيمَا يَرَوْنَهُ بيِّنَا أُعْطِيَ بِقَدْرِ ذَلِكَ، فإنْ شَكُّوا فَقَالُوا: ذَهَبَ مِنْ كَلاَمِهِ الثُلُثُ أَو الرُّبع أُعْطِيَ ثُلُثُ الدِّيةِ، وكَانَ الظَّالِمُ أَحَقَّ مَنْ حَمَلَ عَلَيْهِ.
وقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّهُ يُخْتَبَرُ بالحُرُوفِ، فإنْ سَمَّاهَا كُلُّهَا لَمْ يُنْقَصْ مِنْ كَلاَمِهِ شَيء وإنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِبَعْضِهَا أُعْطِيَ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ كَلاَمُهُ مِنْهَا.
وأَنْكَرَ مَالِكٌ هَذا القَوْلَ، وقالَ: الحُرُوفُ بَعْضُهَا أَثْقَلُ مِنْ بَعْضٍ فِي المَنْطَقِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute