للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ] (١): وفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَهْلٍ تَوَرُّعِ الإنْسَانِ عَنْ أنْ يَحْلِفَ إلَّا فِيمَا يَعْلَمُ صِحَّتَهُ وحَقِيقتَهُ، وَوَدَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دِيةَ ذلِكَ المَقْتُولِ مِنْ عِنْدِه عَلَى سَبِيلِ المَصْلَحَةِ، ومِثْلُ هَذا القَتْلِ لا دِيةَ فِيهِ.

وقَدْ رَوَى ابنُ عَبْدِ الحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ قُتِلَ فَادَّعَى بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ قُتِلَ عَمْدًا، وقالَ بَعْضُهُمْ: لا عِلْمَ لَنَا بِمَنْ قَتَلَهُ ولَا نَحْلِفُ، فإنَّ دَمَهُ بَطْل هَدْرٌ) (٢)، يَعْنِي: تَسْقُطُ دَعْوَاهُمْ بِنُكُولهِمْ عَنِ الأَيْمَانِ، ومَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الدَّمَ لا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا.

قالَ الزّهْرِيُّ: قالَ حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (٣): (كَانَتِ القَسَامَةُ في الجَاهِلِيَّةِ، فأَقَرَّهَا النبي - صلى الله عليه وسلم - في الإسْلَامِ) (٤)، ومَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّهُ لا يُقْسَمُ في قَتْلِ العَمْدِ مِنْ أَوْلِيَاءِ المَقْتُولِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا.

قالَ عَبْدُ المَلِكِ (٥): لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّمَا عَرَضَهَا عَلَى جَمَاعَةٍ، والجَمَاعَةُ اثْنَانِ فَصَاعِدًا.

[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وتَجِبُ القَسَامَةُ أَيْضًا في قَتْلِ الخَطَأ، وإنْ كَانَ لا يُقْتَلُ [قَاتِلُ] (٦) الخَطَأ، وذَلِكَ أَنَّ الدِّيَةَ لا تَكُونُ في قَتْلِ الخَطَأ حَتَّى يَكُونَ دَمًا، والدَّمُ لا يَسْتَحِقّ بأقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ يَمِينًا، فَلِذَلِكَ يُقْسَمُ في الخَطَأ كَمَا يُقْسَمُ في العَمْدِ.

قالَ عِيسَى: إذا ادُّعِيَ القَتْلُ عَلَى جَمَاعَةٍ قِيلَ لأَوْلِيَاءِ المَقْتُولِ: احْلِفُوا عَلَى مَنْ شِئْتمْ مِنْهُم خَمْسِينَ يِمِينًا أَنَّ مَنْ ضَرَبَهُ مَاتَ، فإذَا حَلَفُوا قُتِلَ المَحْلُوفُ عَلَيْهِ،


(١) جاء في الأصل: ع.
(٢) نقل كلام مالك مختصرًا: ابن عبد البر في التمهيد ٢٣/ ٢١١.
(٣) هو حُميد بن عبد الرحمن بن عوف القُرشي الزُّهري المدني، تابعي ثقة، توفي سنة (٩٥)، التهذيب ٧/ ٣٧٩.
(٤) نقل مثله عن سعيد بن المسيب، رواه النسائي (٤٧٠٩)، وعبد الرزاق ١٠/ ٢٧.
(٥) هو عبد الملك بن حبيب السلمي الأندلسي، الإِمام الفقيه صاحب الكتب ومنها الواضحة وغيرها، وتقدم التعريف به.
(٦) جاء في الأصل: القتل، وما وضعته هو المناسب للسياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>