للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقالَ غَيْرُهُ: كَانَتِ الهِجْرَةُ في أَوَّلِ قُدُومِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلى المَدِينَةِ عَلَى كُلِّ مَنْ أَسْلَمَ في بَلَدِهِ فَرْضًا، فَمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ إلى المَدِينَةِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وبَيْنَ المُؤْمِنِينَ مُوَالَاةٌ، وذَلِكَ قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: ٧٢] , فَبَقِيَ النَّاسُ عَلَى هَذا إلى عَامِ الفَتْحِ، ثُمَّ

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: "لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، ولَكِنْ جِهَادٌ ونِيَّةٌ، وإذا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا" (١)، يَعْنِي: إذَا دُعِيتُمْ- إلى الجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ فَانْفِرُوا إليه مِنْ أَوْطَانِكُمْ، فَارْتَفَعَتْ عِنْدَ ذَلِكَ الهِجْرَةُ إلى المَدِينَةِ، وبَقِيَ فَرْضُ الجِهَادِ عَلَى جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ إلى يَوْمِنَا هَذَا.

* قَوْلُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ بقَرْيَةٍ تَأْكُلُ القُرَى" [٣٣٠٧] يَعْنِي: يَفْتَتِحَ أَهْلُهَا القُرَى، فأَقَامَ القَرْيَةَ مَقَامَ الأَهْلِ.

وقَوْلُهُ: "يَقُولُونَ: يَثْرِبُ"، يَعْنِي: أَنَّ النَّاسَ يُسَمُّونَهَا يَثْرِبَ، وَإنَّمَا اسْمُهَا المَدِينَةُ، وسُمِّيتْ في القُرْآنِ يَثْرِبَ عَلَى وَجْهِ الحِكَايةِ، لِتَسْمِيةِ المُشْرِكِينَ لَهَا يَثْرِبَ قَبْلَ أَنْ يُسَمِّيهَا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- دَارَ الإيْمَانِ.

وقَوْلُهُ: "يَأْتِي قَوْمٌ يَبِسُّونَ"، يَعْنِي: يَحْمِلُونَ بأَهْلِيهِم، ويُوَلُونَ المَدِينَةَ، ويُزَيِّنُونَ لَهُم الخُرُوجَ عَنْهَا إلى غَيْرِهَا، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [الواقعة: ٥] , يَعْنِي: تَسَيَّرَتِ الجِبَالُ تَسْيِرًا.

وقَوْلُهُ: "والمَدِينهُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ"، يَعْنِي: صَبْرَهُمْ في المَدِينَةِ مَعَ شِدَّةِ الحَالِ خَيْر لَهُمْ مِنْ خُرُوجِهِمْ عَنْهَا إلى غَيْرِهَا.

* وقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "لَتُتْرَكَنَّ المَدِينهُ عَلَى أَحْسَنِ مَا كانَتْ، حَتَّى يَدْخُلَ الكَلْبُ أَو الذِّئْبُ فَيُغَذِّي عَلَى بَعْضِ سَوَارِي المَسْجِدِ أَو عَلَى المِنْبَرِ" [٣٣١٠] , وهَذا الحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْبَرَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَبْقَى بِمَسْجِدِه حَتَّى تَبْقَى المَدِينَةُ خَالِيةً لا أَحَدَ فِيهَا يَمْنَعُ الكَلبَ أَو الذِّئْبَ مِنْ أنْ يَبُولَ عَلَى المِنْبَرِ، ويُقَالُ: غَدَّتِ المَرْأةُ وَلَدَهَا -


(١) رواه البخاري (٢٦٣١)، ومسلم (١٣٥٣)، من حديث ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>