للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنمَا صَحَّتِ الحجةُ في هَذه المَسْأَلةِ لَآدَمَ عَلَى مُوسَى مِنْ أَجْلِ أَنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ غَفَرَ لآدمَ ذَنْبَهُ، وأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ فَلَا يَحْتَجُّ عَلَى مَعْصِيةٍ بأن يَقُولَ: (إنَّ اللهَ قَدْ قَدَّرَها عَلَيَّ)، إذْ لا يَدْرِي كَيْفَ يَنْجُو مِنْهَا في الآخِرَةِ، وَلِمِثْلِ هَذا المَعْنَى احْتَجَّ ابنُ عُمَرَ عَلَى الذِي سَأَلهُ عَنْ عُثْمَانَ وفِرَارَهِ يَوْمَ أُحُدٍ عَنِ العَدُوِّ، وقالَ ابنُ عُمَرَ: (مَا عَلَى عُثْمَانَ مِنْ ذَنْبٍ) (١)، قَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُ لِقولهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} [آل عمران: ١٥٥] , فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ غُفِرَ ذَنْبُهُ أَمْ لَمْ يُغْفَرْ لَمْ تُقَمْ لَهُ حُجَّةٌ بأن يَقُولَ: (إنَّ الله قَدْ قَدَّرَهُ عَلَيَّ).

وأَدْخَلَ مَالِكٌ حَدِيثَ آدَمَ ومُوسَى حُجَّةً بأن أَعْمَالَ العِبَادِ كُلَّهَا قَدْ قَدَّرَهَا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَأَنَّةُ عَلِمَهَا قَبْلَ كَوْنِهَا، بِخِلَافِ قَوْلِ أَهْلِ البدَعِ الذينَ يَقُولُونَ: (أَفْعَالُ العِبَادِ لَيْسَتْ مُقْدُورَةً للهِ)، ويَقُولُونَ: (إنَّ الله خَلَقَ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا غَيْرَ الأَعْمَالِ)، تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوَّا كَبيرًا، قال اللهُ تعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩٦] وقالَ: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: ٥٤].

* قالَ أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ: رَوَى غَيْرُ مَالِكٍ حَدِيثَ مُسْلِمِ بنِ يَسَار، عَنْ [نُعيْمِ] (٢) بنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّاب، بأَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ قَوْلهِ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: ١٧٢] إلى آخِرِ القِصَّةِ.

قالَ أَحْمَدُ: ولَمْ يَذكُرْ مَالِكٌ في سَنَدِ هَذا الحَدِيثِ [نُعَيْمَ] بنَ رَبِيعَةَ، وذِكْرُهُ في الحَدِيثِ هُوَ الصَّحِيحُ، وبهِ يُسْنَدُ الحَدِيثُ، وعَلَى رِوَايةِ مَالِكٍ هُوَ غَيْرُ مُسْنَدٍ، إذْ لا يَتَّصِلُ مُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ بِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ [٣٣٣٧] (٣).


(١) رواه البخاري (٣٨٣٩) بنحوه.
(٢) جاء في الأصل: (مسلم) والصحيح ما أثبته، قال ابن حجر في تقريب التهذيب ٤/ ٢٢: تفرد بالرواية عنه مسلم بن يسار الجهني، ولا يعرف.
(٣) قال ابن عبد البر في التمهيد ٦/ ٦: وجملة القول في هذا الحديث أنه حديث ليس =

<<  <  ج: ص:  >  >>