للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨)} [البقرة: ١٥٨]. فقد يفهم من ظاهر الآية مجرد جواز السعي بين الصفا والمروة لا وجوبه؛ إذْ إنّ عبارة "لا جناح" تفيد مجرد رفع الإثم؛ أي الجواز. وقد أشكل على عروة بن الزبير - رضي الله عنه - الجمع بين هذه الآية وكون السعي من أركان الحج، ولم يَزُلْ إشكاله هذا حتى بيَّنت له عائشة - رضي الله عنها - سبب نزول الآية. ففي صحيح البخاري أنه سألها: "أَرَأَيتِ قَولَ الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨] فَوَالله مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاح أَنْ لَا يَطوفَ بِالصّفَا والمَرْوَة. قَالَتْ: بِئْسَمَا قُلْتَ يا ابْن أُخْتِي، إِنّ هَذِه لَوْ كانتْ كَمَا أوَّلْتها عَلَيهِ كانَت "لَا جُنَاح عليه أن لَا يَتَطوّفَ بِهِما"، ولَكِنّها أُنْزِلت في الأَنْصَار، كانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّون (١) لِمَنَاة الطّاغية التي كاَنُوا يَعْبُدُونَها عِنْدَ المُشَلَّلِ (٢) فَكانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرّجُ أَنْ يَطوفَ بِالصّفَا والمرْوَة. فَلَمّا أَسْلَمُوا سَأَلُوا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَن ذَلِكَ، قَالُوا: يا رَسُولَ الله إنا كنَّا نَتَحَرّجُ أَنْ نَطُوفَ بين الصَّفَا والمرْوَة، فَأنْزَل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} الآية. قالت عائشة: وقَدْ سَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (أيْ شَرَعَ) الطّوَافَ بَيْنَهمَا، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ

الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا". (٣)

وعن عاصم بن سليمان قال: "سألت أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن الصفا والمروة فقال: كُنَّا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما كان الإِسلام أمسكنا عنهما فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ} [البقرة: ١٥٨] ". (٤)

فسبب نزول الآية بصيغة نفي الجناح هو ما وَقَرَ في أذهان الأنصار يومئذٍ من أن السعي بين الصفا والمروة من عمل الجاهلية؛ نظرًا إلى أن الصفا كان عليه صنم يقال له "إِسَاف"، وكان على المروة صنم يقال له "نَائِلَة"، وكان المشركون إذا سَعَوْا بينهما تمسحوا


(١) يهلون: يحجون.
(٢) المُشلَّل اسم مكان بين مكة والمدينة.
(٣) صحيح البخاري، كتاب الحج، باب (٧٩)، مج ١ ج ٢، ص ٥٠٨ - ٥٠٩، الحديث (١٦٤٣).
(٤) المصدر السابق، كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة، باب (٢١)، مج ٣، ج ٥، ص ١٨٢، الحديث (٤٤٩٦).

<<  <   >  >>