للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال بعض القوم: قُتِلَ قوم وهي في بطونهم، قال: فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: ٩٣] ". (١)

وما روى الترمذي عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: "مات ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يشربون الخمر، فلما نزلت تحريمها قال ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ قال: فنزلت {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية". (٢)

فسبب النزول هنا مخصص لما يفهم من عموم الآية في رفع الجناح عمن اتصف بصفات الإيمان والتقوى والإحسان فيما طَعِم ولو كان محرَّماً، وقَصْرُ ذلك على من مات قبل استقرار تحريمها.

٧ - قول الله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٣٣].

فربط عدم الإكراه بشرط إرادة التحصن قد يفهم منه بالمخالفة جواز إكراههن إذا انعدمت إرادة التحصن. ومثلُ هذه الآية لا يتجلى معناها تماماً إلّا إذا عُرِف سبب نزولها، وهو ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - "أن جارية لعبد الله بن أبي بن سلول يقال لها مُسَيْكَة، وأخرى يقال لها أميمة، فكان يكرههما على الزنى، فشكتا ذلك إلى النبي - رضي الله عنه - فأنزل {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} ". (٣)

وبناءً على ذلك اتفق المفسرون على أن قيد {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} لا يراد بالشرط فيه "عدم النهي عن الإكراه على الغاء إذا انتفت إرادتهن التحصن، بل كان الشرط خرج مخرج الغالب" وذلك إما "لأن إرادة التحصن هي غالب أحوال الإماء البغايا المؤمنات إِذْ كنَّ يحببن التعفف، أو لأن القصة التي كانت سبب نزول الآية كانت معها إرادة


(١) صحيح البخاري، كتاب التفسير، تفسير سورة المائدة، باب (١١)، مج ٣، ج ٥، ص ٢٢٩.
(٢) سنن الترمذي، أبواب تفسير القرآن، تفسير سورة المائدة، ج ٤، ص ٣٢١.
(٣) صحيح مسلم، كتاب التفسير، تفسير سورة النور، باب (٣)، ج ٤، ص ٢٣٢٠، الحديث (٣٠٢٩) (٢٦).

<<  <   >  >>