للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التحصن"، وأن "الداعي إلى ذكر القيد تشنيع حالة البغاء في الإِسلام بأنه عن إكراه وعن منع من التحصن". (١)

ويرى الشيخ محمد الطاهر بن عاشور أن الآية جاءت توطئة لتحريم البغاء وإبطاله من باب ما ورد في التمهيد لتحريم الخمر من قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣]. (٢)

والذي يميل إليه الباحث أن الآية لم تأت لتحريم البغاء نفسه، وإنما هي في تحريم إكراه الإماء عليه، ودليل ذلك ما يأتي:

١ - أن البغاء نوع من أنواع الزنى، وأنه حُرِّم بما حُرِّم به الزنى من أوائل سورة النور، والآيات المحرمة للزنى سابقة في النزول على هذه الآية.

٣ - فائدة ذكر التحصن -الذي هو هنا بمعنى التعفف عن الزنى أو البغاء- أن الإكراه لا يتحقق إلّا مع عدم الرغبة والرضا، فلو كانت الأَمَةُ راضية بالبغاء أو راغبة فيه لما اعْتُبِر طلبُ سيدها منها البغاءَ إكراها. ومع أن النهي عن الإكراه يمكن أن يتم من غير ذكر "إن أردن تحصنا" فإن ذكر هذه الحال -كما يقول ابن عاشور- لزيادة التبشيع. (٣)

٣ - وفي قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٣٣] دليل على أن الزنى- ومنه البغاء- قد سبق تحريمه، إذ المغفرة بعد الإكراه إنما تكون إذا كان الفعل المكْرَه عليه محرماً، فلو كانت الآية توطئة لتحريم البغاء لما كان لذكر المغفرة هنا محل.

وإنما خصت الآية الإماء بالنهي عن إكراههن على البغاء لما قد ينشأ عن الملك من شبهة، إذْ قد يظن المالك أن ملكه للأمة قد يبيح له التصرف فيها باستئجارها للبغاء بغرض التكسب، وأنها إن امتنعت حق له إكراهها على ذلك بما له من سلطة


(١) محمد الطاهر بن عاشور: التحرير والتنوير، ج ١٨، ص ٢٢٦.
(٢) انظر المصدر السابق، التحرير والتنوير، ج ١٨، ص ٢٢٦.
(٣) المصدر السابق، التحرير والتنوير، ج ١٨، ص ٢٢٧.

<<  <   >  >>