للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغيرهما لا يُعدّ في الحقيقة تخصيصاً لأن ذلك العام هو من العام الذي أريد به الخصوص؛ أي أن الشارع قاصد به معنى خاصّاً لا معناه في أصل الوضع اللغوي، وذكر أن القاعدة في اللغة أنه إذا تعارض الوضعان الإستعمالي والقياسي كان الرجحان للوضع الإستعمالي. (١)

والعرب قد تخاطب بالعام وتريد به الخاص، ومن أمثلة ذلك لفظ "الناس" فهو في أصل الوضع اللغوي عامّ يستغرق جميع ما يصلح له، فيكون شاملاً لجميع البشر ولكن العرب تطلق لفظ الناس وتعنى به بعض الناس، والذي يحدد المقصود منه هو السياق والقرائن الأخرى. (٢)

ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣)} [آل عمران: ١٧٣]. فكلمة "الناس" في قوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} ليست على عمومها، بل المقصود بها واحد فقط، هو نعيم ابن مسعود، وقيل غير ذلك، وكلمة "الناس" في قوله: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} ليست على عمومها، وإنما المقصود بها أبو سفيان ومن خرج معه من الكفار لقتال المسلمين في غزوة أحد فقط. (٣)

ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩)} [البقرة: ١٩٩] فقد قيل إن المراد بالنَّاس هنا إبراهيم - عليه السَّلام -. (٤)

وقد اختلف الأصوليون في العام الذي سيق لغرض هل يعمّ كلّ ما يصلح له؟ أم أنه يخص ما سيق له فقط، ولا يدخل فيه غيره إلّا بدليل آخر؟ ومثال ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -:


(١) انظر المصدر السابق، مج ٢، ج ٣، ص ٢٠٠. وانظر لمزيد التفصيل في رأي الشاطبي لا تخصيص العام ومقارنته بمذهب الجمهور ما كُتِبَ في هذا المبحث عند الحديث عن حل الشاطبي لمشكلة الاستقراء الناقص من فصل الاستقراء عند الإمام الشاطبي.
(٢) انظر الشافعي: الرسالة، ص ٦١.
(٣) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج ٤، ص ٢٧٩ - ٢٨٠.
(٤) انظر المصدر السابق، ج ٢، ص ٤٢٧.

<<  <   >  >>