للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من حِكْمة هو مقصد من مقاصد الشارع، خاصة إذا علمنا أن أغلب ما صرح به الشارع من علل إنما هو من باب الحِكَم التي تُعدّ في ذاتها مقاصد للشارع من تلك الأحكام.

وصيغ النص القاطع التي ورد التعليل بها في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة هي: "من أجل"، و"كي".

ومثال الأولى: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ"، (١) فهو صريح في أن قصد الشارع من فرض الإستئذان هو منعُ التجسس على الناس، وستر حرماتهم وأسرارهم، فكل ما أدى إلى خرق ذلك فهو ممنوع.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ" وذلك فيما أخرجه مسلم عن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قالت: دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الأَضْحَى زَمَنَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادَّخِرُوا ثَلاثًا ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ"، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا: يا رَسُولَ الله إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَا ذَاكَ؟ " قَالُوا: نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاثٍ، فَقَالَ: "إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا". (٢)

فبيّن فيه - صلى الله عليه وسلم - أن مقصوده من نهي الصحابة عن ادخار لحوم الأضاحي في تلك السنة إنما كان لدفعهم إلى التصدق بما هو زائد عن حاجتهم اليومية لتحقيق التكافل الإجتماعي بين أفراد المجتمع بإطعام الجائعين وسدّ خلّة المحتاجين، وهو صريح في أن مساعدة المحتاجين وتحقيق التكافل الإجتماعي مقصد من مقاصد الشريعة ينبغي السعي إلى تحقيقه، ولو كان ذلك بفرض قيود على حقوق أصحاب الفضل ليعودوا بفضلهم على المحتاجين، وأنه لوليّ الأمر أن يفعل ذلك، ولكن شريطة أن يكون ذلك بالمعروف وبما لا يخرق القواعد والأحكام الشرعية الأخرى التي تحفظ على


(١) أخرج البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: اطَّلَعَ رَجُلٌ مِن جُحَرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِدْرَى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فَقَالَ: "لَوْ اعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِن أَجْلِ الْبَصَرِ". صحيح البخاري، كتاب الإستئذان، باب (١١)، مج ٤، ج ٧، ص ١٦٨.
(٢) صحيح مسلم، كتاب الأضاحي، باب (٥)، ج ٣، ص ١٥٦١.

<<  <   >  >>