للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس أموالهم وحقوقهم.

ومثال الثانية: قوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧]. فهو نصٌّ في أن قصد الشارع في الأموال إشاعتها بين الناس وإعادة توزيع الثروة بما يمنع احتكارها في أيدي فئة محدودة من أفراد المجتمع. والآية جاءت في معرض بيان المقصد من خصِّ طبقة الفقراء والمساكين بجزء من مال الفيء. (١) فهو نصّ في قصد الشارع إلى إعادة توزيع الثروة بطريقة عادلة تحفظ حقوق الأغنياء والفقراء جميعا.

أمّا ما يدلّ دلالة ظاهرة على المقصد الشرعي فكل ما ورد مرتّباً على حرف من الحروف التي تفيد التعليل، ومن أبرز ما ورد منه في القرآن الكريم:

١ - ما وردت الإشارة إليه بلام التعليل، مثل قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤]. فالآية صريحة في أن المقصد من تكليف الرسل بتبليغ الوحي الإلهي إلى الناس هو جعل ذلك الرسول وسيلة لبيانه، والبيان هنا بمعناه الواسع الذي يكون بالقول والفعل والقدوة، حتى يسهل على الناس فهمُ الوحي الإلهي والتزامه في واقع الحياة.

٢ - ما صُدِّرَ بحتى التي للتعليل مثل قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩)} [الأنفال: ٣٩]. فقد دلّت الآية على أن المقصد من قتال الكفار المحاربين هو جعل السيادة في الأرض للدين الحق، وحماية الناس أن يفتنوا في دينهم من قِبَل أهل الكفر والفساد، لا مجرد القتال المهلك للنفوس المتلف للأموال.

ومنه قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (٣١)} [محمد: ٣١]، فدلت الآية على أن المقصد من ابتلاء المؤمنين بالحرب ونقص الأموال والأنفس


(١) تمام الآية: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧]. والفرق بين الفيء والغنيمة أن الغنيمة ما حُصِّل من أموال أهل الحرب على سبيل القهر والغلبة، وحُكْمُه أنه يُخَمَّس، ثم يوزع ما بعد الخمس على الغانمين غنيِّهم وفقيرهم، والفيء ما حُصِّل من غير قتال، وقد اختلف الفقهاء في تخميسه وفي أصحاب الحق فيه. انظر الموسوعة الفقهية لوزارة الأوقاف الكويتية، ج ٣٢، ص ٢٢٧ - ٢٣٣.

<<  <   >  >>