للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَدَهُ. فَقُلْتُ: أَحَرَامُ هُوَ يا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ: "لا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ". قَالَ خَالِدُ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرُ". (١)

ومثال الثاني ما نُقِل إليه من خبر اختلاف الصحابة - رضي الله عنهم -في تأخير صلاة العصر يوم بني قريظة فأقرّ الفريقين على اجتهادهم في فهم خطابه - صلى الله عليه وسلم -. فقد أخرج البخاري عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِي الله عَنْهمَا - قَالَ: قَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأَحْزَابِ: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُ الْعَصْرَ إِلاّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ". فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ". (٢)

٢ - أن يكون الشخص الذي أُقِرّ على الفعل مسلماً منقاداً للشرع، أما إذا كان كافراً أو منافقاً معلوم النفاق -كما هو الحال في عبد الله بن أبيّ بن سلول- فإن إقراره على الفعل لا يُعدّ إباحة لذلك الفعل أو رضاً به، وذلك كإقراره - صلى الله عليه وسلم - أهل الكتاب -وأهل الذمة عموماً- على معاملاتهم وشعائرهم وعقائدهم، وسكوته - صلى الله عليه وسلم - عن بعض ما فعله عبد الله ابن أبيّ بن سلول. فمثل هذا السكوت لا يُعدّ إقراراً ولا حُجّة على جواز تلك الأفعال لِمَا صاحَبَه من قرائنَ تدلّ على عدم الرضا به، ولكونه إحالة على ما هو معلوم من تشريعات في تلك الأفعال وأمثالها. (٣)

٣ - "أن لا يكون قد عُلِمَ من حاله - صلى الله عليه وسلم - إنكاره لذلك الفعل قبل وقوعه وبعد وقوعه حتى يستقر ذلك شرعاً ثابتاً، وحكماً راسخاً لا يحتمل التغيير ولا النسخ". (٤)

٤ - أن لا يؤديّ الإنكارُ إلما إغراء الفاعل بشرّ مما هو عليه، وإلى أن يترتب عليه مفسدة أكبر من المصلحة التي ترجى من الإنكار.

وهذا الشرط متفق عليه في حال كون المنكِر غير الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أما بالنسبة لذات


(١) صحيح البخاري، كتاب الذبائح والصيد والتسمية على الصيد، باب (٣٣)، مج ٣، ج ٦، ص ٥٨٦.
(٢) المصدر السابق، كتاب المغازي، باب (٣٢)، مج ٣، ج ٥، ص ٦٠ - ٦٠.
(٣) انظر الزركشي: البحر المحيط، ج ٤، ص ٢٠٤.
(٤) الأشقر: أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ج ٢، ص ١٠٩؛ وانظر الزركشي: البحر المحيط، ج ٤، ص ٢٠٤.

<<  <   >  >>