للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد اختُلِف فيه؛ فنُسِبَ إلى المعتزلة القول به، ونُسِبَ إلى الأشعرية منعه في حقه - صلى الله عليه وسلم - بحجة أن إنكاره ضروري لإزالة توهّم الإباحة بوصفه مشرعاً يشرِّعُ بالسكوتِ والتَّرْكِ كما يشرِّع بالقول والفعل. (١)

وهذا الأخير هو الراجح، ودليلُ رجحانه التفريق بين مقامي الإنكار والتغيير فالإنكار- بِبَيَانِ حُكْمِ الفعل- ضروريّ ليُعرَف حكمُ الشرعِ فيه، ولا يمكن أن يسكت عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأيّ حال، أما تغيير المنكر بتطبيق الحكم الشرعي فيمكن التخلي عنه إذا كان يؤدي إلى مفسدة أعظم، كما حديث في عدم معاقبة النبي - صلى الله عليه وسلم - لرأس النفاق عبد الله ابن أبي بن سلول على نفاقه وعلى كثير من جرائمه، فلم يكن ذلك إقراراً منه - صلى الله عليه وسلم - لأفعاله، بل قد ظهر منه إنكارها، ولم يشكّ أحد في ذلك، ولكنه لم ينفذ العقوبات المستحَقّة عليه دفعاً للمفاسد التي قد تترتب على ذلك.

والخلاصة أن الإقرار إنما يُعدّ حجة دالّة على الجواز إذا تضمن الرضا ولم يوجد مانع معتبر يمنع من الإنكار والتغيير فإذا وُجِد مانع صحيح من البيان بالقول أو الفعل، أو تبيّن عدم تضمنه الرضا من الشارع الحكيم لم يُعدّ السكوت حُجَّة، ولا دالاًّ على أن قصد الشارع تشريع الأمر المقرّ عليه.

ب - السكوت عن تعامل شائع بين الناس:

وهو أن يسكت الشارع- سواء كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو الوحي- عن أمر شائع بين الناس ومعاين من قول أو فعل. ويكون عدم الإنكار عليه وبيان فساده دالاًّ على رضا الشارع عنه. وذلك مثل ما كان شائعاً بين الناس في زمن الرسالة من معاملات، ومآكل ومشارب، وملابس، كانوا يستديمون مباشرتها؛ ذلك أنما الشارع لا يمكن أن يسكت عن منكر محظور ويقرّ الناس عليه، لأن وظيفة الشارع هي البيان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ


(١) انظر المحلي: شرح متن جمع الجوامع، ج ٢، ص ٩٥ - ٩٦؛ الزركشي: البحر المحيط، ج ٤، ص ٢٠٤.

<<  <   >  >>