للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تصفحها أثناء عملية الاستقراء، فيكون قد عرفها وعرف حكمها قبل الوصول إلى نتيجة الاستقراء، ولم تَعُدْ هناك حاجة للإستدلال عليها بالاستقراء، وإما أن لا يكون قد تصفحها أثناء عملية الاستقراء وعند ذلك لا يُعَدُّ هذا الاستقراء تاما، بل هو استقراء ناقص. (١)

وأرجعه عبد الرحمن الشربيني في تقريره على حاشية البناني على شرح الجلال المحلِّي إلى ما يُسَمّى بالقياس المقسِّم، وذهب إلى أن الأصوليين والفقهاء لا حاجة بهم إلى هذا النوع من الاستقراء؛ "لأنه مبنيٌّ على علم ثبوت الحكم في جميع الجزئيات، والأصوليون إنما يحتاجون الدليل لعلم حكم الجزئي، والفرض أنه معلوم"، (٢) أي لما كان الاستقراء تامًا، فقد تَمَّ التعرف على حكم كلّ الجزئيات قبل الوصول إلى الحكم الكلي. ومن ثَمَّ لم تبقَ حاجة للإستدلال به على الجزئيات. ويرى الإمام الشربيني أن الاستقراء عند الأصوليين دائمًا ناقص عند المناطقة. (٣)

ب - الاستقراء الناقص:

أما الاستقراء الناقص فإنه يفيد الظن المعمول به عند جمهور الأصوليين. (٤) ويعلل الغزالي مصداقية العمل به بأنه كما ازداد عدد الأصول (أي الجزئيات) الشاهدة لأمر ما زاد الظن فيه، فإذا وجد الأكثر على نمط لم يبقَ الإحتمال على التعادل، بل رَجَحَ بالظنّ أحدُ الاحتمالين، وصار إثبات الواحد وفق الجزئيات الكثيرة أغلب من كونه مستثنى على الندور (٥) وكلما كان عدد الجزئيات المستقرأة أكثر كان الظن الذي يفيده الاستقراء الناقص أقوى، وبالعكس. وما دام هذا النوع من الاستقراء يفيد الظن فإنه حجة؛ لوجوب العمل بالظن في الشرعيات. (٦) إلّا أن الإمام


(١) انظر الغزالي: معيار العلم في فن المنطق، ص ١٥٣.
(٢) الشربيني: تقرير الشربيني على حاشية البناني، ج ٢، ص ٣٤٥ - ٣٤٦.
(٣) المصدر السابق، ج ٢، ص ٣٤٥.
(٤) انظر الغزالي: المستصفى، ج ١، ص ٥٥ - ٥٦؛ الإسنوي: نهاية السول، ج ٣، ص ١١٤؛ ابن النجار: شرح الكوكب المنير، ج ٤، ص ٤١٩.
(٥) انظر الغزالي: معيار العلم في فن المنطق، ص ١٥١، ١٨٧.
(٦) انظر الإسنوي: نهاية السول، ج ٣، ص ١١٤، الرازي: المحصول، ج ٦، ص ١٦١.

<<  <   >  >>