للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٨ - عدم إدراك وجه انضواء الجزئيات تحت كلياتها: وذلك بأن تكون الجزئيات التي ظهر لنا تخلُّفها عن الكلي في حقيقتها داخلة فيه، ولكن لم يظهر لنا وجه دخولها. (١)

والملاحظ من هذه الحجج أن الشاطبي يريد أن يدفع الطعن في الكليات بأي طريق كان ذلك، فهو منذ البداية يقرر أن "هذه الكليات الثلاث إذا كانت قد شرعت للمصالح الخاصة بها فلا يرفعها تخلف آحاد الجزئيات"، (٢) ثم يختم المسألة بالقول: "فعلى كل تقدير لا اعتبار بمعارضة الجزئيات في صحة وضع الكليات للمصالح"، (٣) ويقول في موضع آخر: "إذا ثبت قاعدة عامة أو مطلقة فلا تؤثر فيها معارضة قضايا الأعيان ولا حكايات الأحوال". (٤)

٩ - تفسير الشاطبي لمعنى التخصيص: ومما عضد به الشاطبي عدم انتقاض كليات الشريعة وقواعدها العامة بما يرد عليها من استثناءات وتخصيصات، وما يشذّ عنها من جزئيات، موقفُه من مسألة تخصيص العام. فقد ذهب إلى إنكار وجود التخصيص بالمعنى الذي قصده جمهور الأصوليين، سواء كان التخصيص بمتَّصل أم بمنفصل، حيث رفض مفهوم التخصيص عند جمهور الأصوليين من كونه: بيانُ خروج الصيغة عن وضعها من العموم (الحقيقة) إلى الخصوص (المجاز). (٥) ويرى


(١) انظر المصدر السابق، مج ١، ج ٢، ص ٤١.
(٢) انظر الشاطبي: الموافقات، مج ١، ج ٢، ص ٤٠.
(٣) المصدر السابق، مج ١، ج ٢، ص ٤١.
(٤) المصدر السابق، مج ٢، ج ٣، ص ١٩٤.
(٥) انظر في مفهوم التخصيص عند مختلف طوائف الأصوليين: الآمدي: الأحكام في أصول الأحكام، ج ٢، ص ٢٩٩ - ٣٠٠. وخلاصة ما أورده الآمدي في مفهوم التخصيص ما يأتي:
١ - مفهوم التخصيص عند أرباب العموم -وهم جمهور الأصوليين- هو "تعريفُ أن المرادَ باللفظ الموضوع للعموم حقيقةَ إنما هو الخصوص"، أو هو"صرف اللفظ عن جهة العموم إلى جهة الخصوص" (ص ٣٠٠).
٢ - مفهوم الخصوص على مذهب أرباب الإشتراك، هو"تعريفُ أنّ المرادَ باللفظ الصالح للعموم والخصوص إنما هو الخصوص"، فالتخصيص ليس إخراجًا لبعض ما تناوله الخطاب عنه، وليس فيه نقلٌ لِلَّفْظِ من الحقيقة إلى المجاز، بل غايته استعمالُ اللفظ في بعض محامله دون البعض (ص ٢٩٩ - ٣٠٠).
٣ - مفهوم التخصيص على مذهب أرباب الوقف هو أن "اللفظ عندهم موقوف لا يُعْلَمُ كونه للخصوص أو للعموم، وهو صالح لاستعماله في كل واحد منهما. فإن تام الدليل على أنه أريد به العموم وجب حمله عليه، وامتنع إخراج شيء منه، وإن تام الدليل على أنه للخصوص لم يكن اللفظ إذ ذاك دليلًا على العموم، ولا متناولًا له، فلا يتحقق بالحمل على الخاص إخراج بعض ما تناوله اللفظ على بعض محامله الصالح لها" (ص ٢٩٩).

<<  <   >  >>