للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشاطبي أنه ليس فيما يُسمى تخصيصًا -سواء كان بمخصصات متّصلة أم منفصلة- إخراجٌ لأيِّ شيء مما شمله اللفظ العام، كما ليس فيه إخراج له من الحقيقة إلى المجاز وإنما "هو بيان لقصد المتكلم في عموم اللفظ أن لا يتوهم السامع منه غير ما قصد"، (١) فالتخصيص عنده "بيان المقصود بالصيغ المذكورة، فإنه رَفْعٌ لتوهُّمِ دخولِ المخصوض تحت عموم الصيغة في فهم السامع، وليس بمراد الدخول تحتها، وإلاّ كان التخصيص نسخًا". (٢) فاللفظ -عند الشاطبي- باقٍ على عمومه، ولكنه عموم مقيَّد بما قصده المتكلمٍ، أي أن العموم هنا مقصور على ما قصد المتكلم أن يَعُمَّه بخطابه، سواء كان عموما قياسيّا، أي من حيث الوضع اللغوي الإنفرادي للفظ، أو عمومًا استعماليّا. (٣)

ويفهم من هذا أن رأي الشاطبي يشبه رأي أرباب الإشتراك في مسألة: هل للعموم في اللغة صيغة موضوعة له خاصة به تدلّ عليه أم لا؟ (٤) من حيث إن العام مشترك بين الحقيقة اللغوية، والعرفية (الإستعمالية)، والشرعية، والذي يحدِّد المرادَ من هذه الثلاث بصيغة العموم هو السياق والقرائن، ومنها ما يُسمى عند الأصوليين بالمخصصات.

والخلاصة أن الفرق بين تفسير الشاطبي لما يُسمى بالتخصيص وتفسير جمهور الأصوليين له، أن التخصيص في رأي الشاطبي راجع إلى بيان وضع الصيغ العمومية في أصل الإستعمال العربي أو الشرعي، أما عند جمهور الأصوليين فإنه يرجع إلى بيان خروج الصيغة عن وضعها من العموم إلى الخصوص، فهو يرى أن التخصيص بيانٌ لوضع اللفظ، وهم يرون أنه بيان لخروج اللفظ عن وضعه. (٥)

وقد كان دافع الشاطبي إلى تبني هذا التقسيم لصيغ العموم وتفسير التخصيص هو المحافظة على قوة الإحتجاج بكليات القرآن الكريم وعموماته بالقطع بدلالتها


(١) الشاطبي: الموافقات، مج ٢، ج ٣، ص ٢١٣.
(٢) المصدر السابق، مج ٢، ج ٣، ص ٢١٤.
(٣) انظر تفريق الشاطبي بين العموم القياسي والعموم الإستعمالي في: الموافقات، مج ٢، ج ٣، ص ٢٠٠ وما بعدها.
(٤) انظر في هذه المسألة: الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام، ج ٢، ص ٢٢١ وما بعدها.
(٥) انظر الشاطبي: الموافقات، مج ٢، ج ٣، ص ٢١٤.

<<  <   >  >>