للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تاسعًا - إثبات قانون الإطراد في الكون:

وذلك من خلال الإستدلال بالاستقراء على إثبات العوائد العامة التي لا تختلف بحسب الأعصار والأمصار والأحوال، كلأكل والشرب، والفرح والحزن، والنوم واليقظة، والميل إلى الملائم والنفور عن المنافر، وتناول الطيبات والمستلذات، واجتناب المؤلمات والخبائث، أو بتعبير آخر السنن الثابتة التي وضعها الله تعالى في الأنفس والكون. وهذه العادات يكون ما جرى منها في الزمان الحاضر محكومًا به على الزمان الماضي والمستقبل مطلقًا، كانت العادة وجودية أو شرعية. وقد اعتبر الشاطبي قانون الإطراد في هذا النوع من العادات أو السنن عادةً كليّةً أبديّة، وحكمًا باقيًّا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو أمر معلوم غير مظنون. (١)

عاشرًا - جريان الأدلة الشرعية على مقتضيات العقول السليمة:

فقد استدلّ بالاستقراء على أن الأدلة الشرعية جارية على مقتضيات العقول السليمة "بحيث تصدقها العقول الراجحة، وتنقاد لها طائعةً أو كارهة، ولا كلام في عناد معاند، ولا في تجاهل متعام، وهو المعنيُّ بكونها جارية على مقتضى العقول، لا أن العقول حاكمة عليها، ولا محسنة فيها ولا مقبحة". (٢)

تعقيب:

تظهر أهمية ما قدمه الشاطبي في إعادته تكييف الاستقراء ببنائه على أسس جديدة، وإبراز معايير أخرى لتفسيره وتسويغ نتيجته، وذلك من خلال ابتكار ما اصطلح على تسميته بـ"الاستقراء المعنوي"، ثم إلحاقه بمبحث التواتر وتفسير نتيجته طبقًا لقوانين التواتر المعنوي، مما أعطاه مصداقية كبيرة ليصير أقوى دليل-على الأقل عنده- في إثبات الأصول والقواعد الكلية، ثم عمل بعد ذلك على توظيفه في الإستدلال للقواعد الكلية والمقاصد الشرعية.


(١) انظر الشاطبي: الموافقات، مج ١، ج ٢، ص ٢٢٧.
(٢) المصدر السابق، مج ٢، ج ٣، ص ٢٠.

<<  <   >  >>