للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويمكن إبراز عناية الشاطبي بالاستقراء منهجًا للإستدلال فيما يأتي:

١ - توسيعه لمجال استخدام المنهج الإستقرائي للإستدلال على القواعد العامة، والكليات والمقاصد الشرعية، واقتناص القطعيات من الظنيات، حيث جعله المنهج الأساس الذي بنى عليه كتابه الموافقات، وقد صرح بذلك في خطبة الكتاب، حيث قال: "ولما بدا من مكنون السرِّ ما بدا، ووفَّق الله الكريم لما شاء منه وهدى، لم أزل أقيّد من أوابده، وأضمّ من شوارده تفاصيلًا وجملًا، وأسوق من شواهده، في مصادر الحكم وموارده، مبيِّنًا لا مجملًا، معتمدًا على الاستقراءات الكلية، غير مقتصر على الأفراد الجزئية، ومبيِّنًا أصولها النقلية، بأطراف من القضايا العقلية، حسبما أعطته الإستطاعة والْمُنَّةُ، في بيان مقاصد الكتاب والسنة". (١) وأشار في نهاية الكتاب إلى أن هذا المنهج الإستقرائي - الذي اعتمده في الإستدلال على الكليات واقتناص القطعيات من الظنيات- يمثل خاصة كتابه، وميزته التي تميزه عن غيره، حيث قال: " ... ومَرَّ أيضًا بيان كيفية اقتناص القطع من الظنيات، وهي خاصة هذا الكتاب لمن تأمله والحمد لله". (٢)

والناظر في كتابه يجده فعلًا قد التزم بذلك، فأوَّلُ دليل استدل به على أول مقدمة استهل بها كتابه هو الاستقراء، (٣) ولا نكاد نجد قاعدة من القواعد العامة، أو كلية من الكليات التي بحثها في كتابه هذا إلّا وقد استدل لها -من جملة أدلتها- بالاستقراء، سواء اكتفى في ذلك بالقول بأن تلك القاعدة أو الكلية محلّ الإستدلال قد ثبتت باستقراء موارد الشريعة ومصادرها من غير إيرادٍ للجزئيات المستقرأة، أو بإيراد طرف من تلك الآحاد المستقرأة. وإذا أخذنا بعين الإعتبار كون كتابه الموافقات يبحث في الكليات والقواعد العامة، فليس من المبالغة القول -كما صرح هو نفسه- بأن الاستقراء يمثِّل العمدة وسيِّد الأدلة في هذا الكتاب، وقد تبيّن ذلك


(١) انظر الشاطبي: الموافقات، مج ١، ج ١، ص ١٦.
(٢) المصدر السابق، مج ٢، ج ٤، ص ٢٤٢.
(٣) انظر المصدر السابق، مج ١، ج ١، ص ١٩.

<<  <   >  >>