للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عند الحديث عن مجالات الاستقراء عند الشاطبي. (١)

٣ - تحرير الاستقراء من قيود المنطق الأرسطي، وإعطائه مصداقية وقوة أكبر في الإستدلال به، وذلك من خلال أمرين: أحدهما: رفض ما انتشر بين المناطقة من كون الاستقراء الناقص لا يفيد القطع مطلقًا، وذهابه إلى أن الاستقراء يفيد أساسًا الظن، لكنه مع ذلك يفيد القطع أيضًا إذا توافرت شروطه، بل إنه بلغ به غاية القوة في الإستدلال عندما أضفى على كثير من نتائحه أوصاف الكلية والعموم والقطع.

والثاني: إخراجه من الإطار الذي وضعه فيه المنطق الأرسطي، وإلحاقه بالتواتر حيث جعله نوعًا من أنواع التواتر وجعله شبيها بالتواتر المعنوي، (٢) وسماه "الاستقراء المعنوي". وقد حقق عمل الشاطبي هذا للإستقراء فائدتين:

الأولى: إعطاؤه ما للتواتر من قوة في الإستدلال، من حيث كونه موصلًا إلى العلم، ومن ثَمَّ التخلص مما يسمى عند المناطقة بـ"مشكلة الاستقراء الناقص".

الثانية: تسويغ العمل به في الشرعيات من خلال تحريره من رواسب المنطق اليوناني، وبالتالي التخلص مما يمكن أن يُثار من حساسية في استعماله، بحكم عدِّه من قِبَل كثير من العلماء المسلمين موروثًا يونانيًّا دخيلًا على العلوم الشرعية ينبغي اجتنابه لِمَا يمكن أن يتركه من آثار سلبية في هذه العلوم.


(١) ويمكن القول إن من ثمرات عمل الشاطبي هذا استفادةُ كثير من العلماء الذين جاءوا بعده من منهجه هذا، وعلى رأسهم الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، وظهور ما اصطُلِحَ على تسميته بالتفسير الموضوعي، والدراسة الموضوعية للحديث، حيث يقوم كلٌّ منهما على فكرة الاستقراء المعنوي بتجميع كل النصوص الواردة في موضوع واحد، ودراستها دراسة موضوعية من أجل فهمٍ أحسنَ وأشمل لذلك الموضوع، والخروج بقواعد عامة وكليات تحكم فروعه وجزئياته.
(٢) انظر الشاطبي: الموافقات، مج ١، ج ١، ص ٢٤.

<<  <   >  >>